ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي دَمِ الْعَمْدِ وَالْقَتْلِ فَقَالَ: (إلَّا مَعَ الْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ) مُرَادُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْقَسَامَةِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا يُعْطِيهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي دَمِ عَمْدٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ عَمْدًا إلَّا مَعَ الْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ فَيُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعَ الْقَسَامَةِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْجِرَاحِ الْعَمْدِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَوْلُهُ:
(وَقَدْ قِيلَ يُقْضَى بِذَلِكَ) أَيْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (فِي الْجِرَاحِ) يَعْنِي مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي تَمْرِيضِ الْمَشْهُورِ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ وَذَكَرَهُ لَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ) فِيمَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الرِّجَالِ (إلَّا فِي الْأَمْوَالِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْإِجَارَةِ (وَمِائَةُ امْرَأَةٍ كَامْرَأَتَيْنِ وَذَلِكَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ يُقْضَى بِذَلِكَ مَعَ رَجُلٍ أَوْ مَعَ الْيَمِينِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) .
وَالرَّابِعَةُ: أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ الْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ) وَهُوَ النُّطْقُ (وَشِبْهِهِ) مِثْلُ عُيُوبِ الْفَرْجِ أَوْ الْبَدَنِ (جَائِزَةٌ) وَلَا يُعَارَضُ هَذَا الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا قَيَّدْنَا بِهِ كَلَامَهُ مِنْ قَوْلِنَا فِيمَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الرِّجَالِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقَالَ: (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ) عَلَى خَصْمِهِ بِدُنْيَوِيٍّ لَهُ بَالٌ وَطَالَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا (وَلَا) شَهَادَةُ (ظَنِينٍ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
اسْتَثْنَى إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ إذْ لَا دَخْلَ لِقَوْلِهِ فِي دَمِ عَمْدٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ.
[قَوْلُهُ: مُرَادُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْقَسَامَةِ] أَيْ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ مَعَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ زَائِدٍ عَلَى أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ كَالْعَدْلِ فَقَطْ فِي مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْعَدْلِ عَلَى الْجُرْحِ لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ الْوَلِيُّ لَقَدْ جَرَحَهُ وَلَمِنْ جَرْحِهِ مَاتَ، فَيَزِيدُ لَقَدْ جَرَحَهُ مَعَ كُلِّ يَمِينٍ لِيَكْمُلَ النِّصَابُ، وَتِلْكَ الصِّفَةُ اجْتَمَعَ فِيهَا الْيَمِينُ الْمُكَمِّلَةُ لِلنِّصَابِ وَأَيْمَانُ الْقَسَامَةِ.
[قَوْلُهُ: وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ] أَيْ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ وَلَا رِجَالٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَا أَزْيَدَ مِنْ امْرَأَتَيْنِ مِنْ النِّسَاءِ.
[قَوْلُهُ: فِيمَا لَا يَطَّلِعُ] أَيْ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَوْ يَنْدُرُ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْوِلَادَةِ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ شَخْصُ الْجَسَدِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ.
[قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ] مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَلَا يَكْفِي الْوَاحِدَةُ مَعَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْوِلَادَةِ وَعَلَى الِاسْتِهْلَالِ أَيْ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مُسْتَهِلًّا عَامٌّ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَإِنَّمَا عُمِلَ بِشَهَادَتَيْنِ فِيهِ لِنُدُورِ اطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الرِّجَالِ لِذَلِكَ، وَفَائِدَةُ ثُبُوتِ الِاسْتِهْلَالِ وَعَدَمِهِ تَظْهَرُ فِي الْإِرْثِ لَهُ أَوْ مِنْهُ، وَأَمَّا عَيْبُ الْفَرْجِ وَالْحَيْضِ فَهُوَ فِي الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ تُصَدَّقُ فِي نَفْيِ دَاءِ فَرْجِهَا وَفِي حَيْضِهَا. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ شَرَفُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ فَإِذَا تَنَازَعَ بَائِعُ أَمَةٍ مَعَ مُشْتَرِيهَا فِي عَيْبٍ بِفَرْجِهَا نَظَرَهَا النِّسَاءُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدَيْنِ فَيَنْظُرُهُ الرِّجَالُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَاخِلَ الثِّيَابِ وَخَارِجَ الْفَرْجِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ الْعِدْلَاتِ وَلَوْ فِي الْحَرَائِرِ.
قَالَ تت: وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ مَعَ يَمِينِ الْقَائِمِ بِشَهَادَتِهِنَّ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ تُزَادُ عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: بِدُنْيَوِيٍّ] أَيْ خَصْمُهُ بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ غَيْرِ خَفِيفٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ طَالَتْ أَيْ أَوْ طَالَتْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي صُورَتَيْنِ، أُولَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْخُصُومَةُ بِسَبَبٍ دُنْيَوِيٍّ غَيْرِ خَفِيفٍ، الثَّانِيَةُ: بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ خَفِيفٍ إلَّا أَنَّهُ طَالَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ اسْتَحْكَمَتْ، وَأَمَّا بِدِينِيٍّ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ أَوْ دُنْيَوِيٍّ خَفِيفٍ وَلَمْ تَطُلْ الْخُصُومَةُ فَتَجُوزُ.
قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ فِي أَمْرٍ خَفِيفٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْمُهَاجَرَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْعَدَاوَةِ الْبَيِّنَةِ اهـ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ.