للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: الْمُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: (وَلَا يُقْبَلُ) يَعْنِي فِي الشَّهَادَةِ (إلَّا الْعُدُولُ) لَأَغْنَاهُ عَمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ.

بَعْضُهُمْ لَيْسَتْ الْعَدَالَةُ أَنْ يَتَمَحَّضَ الرَّجُلُ لِلطَّاعَةِ حَتَّى لَا يَشُوبَهَا مَعْصِيَةٌ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ الطَّاعَةُ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِ وَأَغْلَبَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ مُحَافِظٌ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ فَهُوَ الْعَدْلُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ هَذَا حَالَ الْأَدَاءِ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الزِّنَا) مَثَلًا مَا لَمْ يَتُبْ، أَمَّا إنْ تَابَ فَسَيَنُصُّ عَلَيْهِ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ (شَهَادَةُ عَبْدٍ) فِي حَالِ رِقِّهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَرْتَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لَهَا.

وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ وَمَنْ فِيهَا شَائِبَةٌ مِنْ شَوَائِبِ الْعِتْقِ (وَ) كَذَا (لَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (صَبِيٍّ) فِي حَالِ صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا فِي الصِّبَا وَضَبَطَهَا وَأَدَّاهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ صِبَاهُ، وَسَيَنُصُّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَا هُنَا مَخْصُوصٌ بِهِ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (كَافِرٍ) فِيمَا شَهِدَ بِهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ لَا عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ.

وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ حَالَ كُفْرِهِ وَشَهِدَ بِهِ حَالَ إسْلَامِهِ فَيُقْبَلُ مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ (وَإِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إلَّا فِي الزِّنَا) فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ (وَ) كَذَا غَيْرُ الزِّنَا إذَا تَابَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ إلَّا

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ

يَسْتَمِرُّ الْمَنْعُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ الْعَدَاوَةِ، وَكَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَابْنِهِ، وَكَذَا ابْنُ الْعَدُوِّ لَا يَشْهَدُ عَلَى عَدُوِّ أَصْلِهِ وَلَوْ مَاتَ كَأَنَّ الْعَدَاوَةَ تُورَثُ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ] أَيْ بِارْتِكَابِهِ أَمْرًا لَا يَجُوزُ شَرْعًا، وَفَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ أَيْ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ بِأَنَّهُ مَغْمُوسٌ فِي أَخْلَاقِهِ يُرَى مَعَ أَهْلِ الْخَيْرِ وَيُرَى مَعَ أَهْلِ الشَّرِّ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ] أَيْ بِالْمَيْلِ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَيْ كَشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الْبَارِّ عَلَى الْعَاقِّ، أَوْ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، أَوْ لِلسَّفِيهِ عَلَى الرَّشِيدِ لِاتِّهَامِ الْأَبِ عَلَى إبْقَاءِ الْمَالِ تَحْتَ يَدِهِ.

[قَوْلُهُ: إلَّا الْعُدُولُ] جَمْعُ عَدْلٍ وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ السَّالِمُ مِنْ فِسْقٍ وَحَجْرِ سَفَهٍ وَبِدْعَةٍ وَإِنْ مَعَ تَأْوِيلٍ، فَالسَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَكَذَلِكَ الْبِدْعِيُّ كَالْمُعْتَزِلِيِّ وَالْخَارِجِيِّ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَأْوِيلِ أَحَدٍ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْعَدَالَةُ عِنْدَنَا حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْعَدْلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصْمُ الْعَدَالَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَعَلَى أَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ أَوْ مَسْخُوطٍ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

[قَوْلُهُ: لَأَغْنَاهُ عَمَّا قَبْلَهُ] الْغِنَى إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى تَفْسِيرِ الظِّنِّينَ بِالْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ.

[قَوْلُهُ: وَأَغْلَبُهَا عَلَيْهِ] بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ مُحَافِظٌ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ] أَقُولُ: التَّعْبِيرُ فِي جَانِبِ الْكَبَائِرِ بِمُجْتَنِبٍ، وَفِي جَانِبِ الصَّغَائِرِ بِمُحَافِظٍ عَلَى تَرْكٍ لِلتَّفَنُّنِ، وَبَعْدَ هَذَا فَنَقُولُ: إنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَمْ تَشُبْ طَاعَتَهُ الْمَعَاصِي فَيَكُونُ عَيْنَ مَا نَفَاهُ أَوَّلًا.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ هَذَا حَالَ الْأَدَاءِ] ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ كُلِّ مُمَيِّزٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا الشَّهَادَةُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ عِنْدَ كِتَابَةِ خَطِّهِ.

[قَوْلُهُ: الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا مَثَلًا] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ عَامٌّ فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ. زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَمِثْلُ الْمَحْدُودِ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْجِرَاحَاتِ أَيْ حُدَّ بِالْفِعْلِ، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُحَدَّ أَيْ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَا فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَتُبْ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.

[قَوْلُهُ: مَرْتَبَةٌ عَظِيمَةٌ] فَهِيَ مِنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي إلْزَامِ الْغَيْرِ مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ، وَالنَّفْسُ تَأْنَفُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَاقِصٍ وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ فِي حَالِ الرِّقِّ وَأَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ صِبَاهُ] أَيْ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إزَالَةِ النَّقْصِ الَّذِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِأَجْلِهِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّبَائِعِ الْبَشَرِيَّةِ فِي دَفْعِ الْمَعَرَّةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ.

[قَوْلُهُ: مَخْصُوصٌ بِهِ] أَيْ دَخَلَهُ الْخُصُوصُ بِسَبَبِهِ أَيْ فَيُقْصَرُ عَلَى مَا عَدَاهُ.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ] أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا قُبِلَتْ إلَخْ] لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ مُجَرَّدَ حُصُولِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى صَلَاحِ حَالِ الْمَحْدُودِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>