للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، وَالْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا، وَإِذَا اخْتَلَفَا إمَّا أَنْ يَتِمَّ مُرَادُهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا يَتِمَّ مُرَادُهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا مُسْتَحِيلَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الِاسْتِحَالَةِ فِي الْأَصْلِ.

وَقَوْلُهُ (لَا إلَهَ غَيْرُهُ) تَأْكِيدٌ

ــ

[حاشية العدوي]

إثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ شَارِحُنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقِيلَ: لَا وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ رَادًّا لِلْأَوَّلِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ النُّبُوَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَائِلَ أَنَّهُ رَسُولٌ إذَا ادَّعَى الرِّسَالَةَ وَأَقَامَ الْخَارِقَ عَلَى صِدْقِهِ فَلَا بُدَّ لِوُجُودِ الْخَارِقِ عَلَى صِدْقِهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي جَاءَ بِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُ مُرْسِلِهِ لِيَكُونَ فِعْلُهُ مُطَابِقًا لِتَحَدِّيهِ، وَسُؤَالُهُ نَازِلًا مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: صَدَقْت فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَنَا عِلْمٌ بِنَفْيِ فَاعِلِيَّةِ غَيْرِهِ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ أَنَّ هَذَا الْخَارِقَ كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى مَثَلًا لَا يَفْعَلُهُ غَيْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ أَيْ فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ بِدَلِيلِ السَّمْعِيِّ فِيهِ دَوْرٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ أَنْ يَزِيدَ وَالسُّنَّةُ.

[قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ قَالَتْ الْأُمَّةُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ، فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى عَابِدِ الصَّنَمِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّ الصَّنَمَ إلَهٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْإِجَابَةَ دَلِيلُكُمْ عَيْنُ دَعْوَاكُمْ. [قَوْلُهُ: بِلِسَانٍ وَاحِدٍ] أَيْ قَالَتْ الْأُمَّةُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: الْوَاحِدُ الْأَحَدُ إلَخْ] قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى، وَقِيلَ: إنَّ الْأَحَدَ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ وَلَا مُتَجَزِّئٍ، وَالْوَاحِدَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ وَالْأَحَدَ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُتَّصِلِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَيْنِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، وَحْدَةُ الذَّاتِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ وَبِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ، فَالْأَوَّلُ أَلَّا تَكُونَ ذَاتُهُ الْعَلِيَّةُ مُرَكَّبَةً مِنْ جُزْأَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَالثَّانِي أَلَّا يَكُونَ ذَاتَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْأُخْرَى، وَوَحْدَةُ الصِّفَاتِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ مِنْهَا أَيْضًا.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَعْنِي بِهِ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً وَاحِدَةً وَإِرَادَةً وَاحِدَةً وَهَكَذَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَنَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ ذَاتٌ تَتَّصِفُ بِمِثْلِ صِفَاتِ مَوْلَانَا، وَوَحْدَةُ الْأَفْعَال بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِدٌ سِوَاهَا وَهُوَ الْخَامِسُ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ إلَخْ. ظَاهِرٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ وَحْدَةِ الذَّاتِ، وَيَجْرِي فِي الْبَقِيَّةِ بِحَسَبِ مَا يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى عَلَى مَا يَأْتِي.

[قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَتِمُّ مُرَادُهُمَا جَمِيعًا] يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ أَلَّا يَتِمَّ مُرَادُ هَذَا وَلَا هَذَا أَوْ يَتِمَّ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الِاسْتِحَالَةِ] وَجْهُ الِاسْتِحَالَةِ فِي تَمَامِ مُرَادِهِمَا جَمِيعًا أَنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعَ مُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ وَجْهُهَا فِي عَدَمِ تَمَامِ مُرَادِهِمْ مَعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُ عَجْزُهُمَا.

وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُ عَجْزُ مَنْ تَعَطَّلَ مُرَادُهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَجْزُ الْآخَرِ لِلْمُمَاثَلَةِ، وَقَوْلُهُ: لَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا إلَخْ أَيْ وَجَازَ أَنْ يَتَّفِقَا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَتَيْنِ إذَا تَوَجَّهَتَا فَإِمَّا أَنْ يَقْدِرَ نُفُوذُ مُرَادِهِمَا أَوَّلًا وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ مُؤَثِّرَيْنِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ يُقَدَّمَ عَدَمُ نَفَاذِ مُرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَجْزِ الْمُؤَدِّي لِعَدَمِ الْبَاطِلِ أَوْ عَدَمِ نَفَاذِ وَاحِدٍ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَجْزِ الْآخَرِ لِلْمُمَاثَلَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جِسْمًا أَوْ جَوْهَرًا فَرْدًا، وَذَلِكَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِلَهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَامَّةَ التَّعَلُّقِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ كَمَا ثَبَتَ بِهِ نَفْيُ الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فِي الذَّاتِ يَثْبُتُ بِهِ نَفْيُ الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فِي الصِّفَاتِ، وَنُبَيِّنُ وَجْهَ الِاسْتِحَالَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ فَنَقُولُ تَبَعًا لَهُمْ: إنَّ الدَّلِيلَ عَلَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ فِي الذَّاتِ أَنَّ أَوْصَافَ الْإِلَهِ إمَّا أَنْ تَقُومَ بِكُلِّ فَرْدٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ أَوْ بِالْبَعْضِ، وَتِلْكَ الْأَقْسَامُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعَجْزِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَكُونُ إلَهًا فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي تَعَدُّدِ الْإِلَهَيْنِ الَّذِي قَرَّرَ الشَّارِعُ دَلِيلَهُ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَجْزُ كُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ يُوجِبُ عَجْزَ الْمَجْمُوعِ لِلْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ كُلِّ جُزْءٍ وَالْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ الْحَبْلِ الْمُؤَلَّفِ مِنْ شَعَرَاتٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِبَعْضِ الْأَجْزَاءِ عَلَى بَعْضٍ حِينَئِذٍ لَا يَقُومُ بِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>