لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إلَهٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: هَذَا أَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِنَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ لِوُجُودِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْإِثْبَاتُ بِخِلَافِ: اللَّهُ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْعِرُ بِنَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا فَرْضٌ قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ إلَى آخِرِهِ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ) هُمَا وَالْمَثِيلُ أَسْمَاءٌ مُتَرَادِفَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُنَا لَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
عَجْزَ جَمِيعِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ فِي الصِّفَاتِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ قُدْرَتَانِ وَإِرَادَتَانِ وَعِلْمَانِ إلَى الْآخِرِ السَّبْعِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا وَحْدَانِيَّةُ صِفَتَيْ التَّأْثِيرِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّ التَّخَالُفَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَوْ التَّوَافُقَ مَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ مُؤَثِّرَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي فِيهِمَا بِخِلَافِ سَائِرِ الصِّفَاتِ السَّبْعِ كَالْكَلَامَيْنِ وَالْعِلْمَيْنِ، فَوَجْهُ الِاسْتِحَالَةِ فِي ذَلِكَ مَا يُبَيِّنُهُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْوُسْطَى بِقَوْلِهِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ حَيَاتَانِ أَوْ عِلْمَانِ مَثَلًا لَكَانَ أَحَدُ الْعِلْمَيْنِ أَوْ أَحَدُ الْحَيَاتَيْنِ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ لِلذَّاتِ مَا هُوَ لَازِمٌ لَهَا وَهُوَ كَوْنُ الذَّاتِ حَيَّةً عَالِمَةً وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِلذَّاتِ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِالْحَيَاةِ الْأُخْرَى وَالْعِلْمِ الْآخَرِ، وَإِمَّا أَلَّا يَحْصُلَا لِلذَّاتِ ذَلِكَ اللَّازِمَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَا وُجِدَا بِدُونِ لَازِمِهِمَا الَّذِي يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوجَدَا عَارِيَّيْنِ عَنْهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُعْقَلُ اهـ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ مَوْلَانَا تَأْثِيرٌ فِي فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّذِي هُوَ الْخَامِسُ فَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مَوْلَانَا تَأْثِيرٌ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَثَرُ مَقْدُورًا لَهُ تَعَالَى لِعُمُومِ قُدْرَتِهِ وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ الِاتِّفَاقُ أَوْ الِاخْتِلَافُ، وَيَأْتِي مَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَثِّرُ غَيْرَ مَوْلَانَا لَزِمَ عَجْزُ مَوْلَانَا وَيَلْزَمُ عَجْزُهُ فِي سَائِرِ الْمُمْكِنَاتِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هَذَا أَبْلَغُ] مِنْ الْبَلَاغَةِ وَهِيَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ، إذْ الْحَالُ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِنَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ عَلَى مَا قِيلَ فِي ثُبُوتِ الْإِلَهِيَّةِ لِمَوْلَانَا تَعَالَى، وَالْمُحْتَاجُ لَهُ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْأُلُوهِيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ بِشَهَادَةِ قَوْله تَعَالَى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [الزمر: ٣] .
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشْعِرُ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: يُصَرِّحُ إذْ الْإِشْعَارُ مَوْجُودٌ حَقٌّ فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: وَالْإِثْبَاتُ] لَا حَاجَةَ لَهُ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إثْبَاتَ فِيهِ، فَإِنْ قُلْت: خُلَاصَةُ الْكَلَامِ: أَنْ لَا إلَهَ غَيْرُهُ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِاعْتِبَارِ جَوْهَرِهِ وَذَاتِهِ ثُبُوتُ الْأُلُوهِيَّةِ لِأَحَدٍ، وَاَللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ مُسْتَلْزِمٌ نَفْيَ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ، فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبْلَغَ اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ قُلْت: جَوَابُ ذَلِكَ مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي ثُبُوتِ الْأُلُوهِيَّةِ لَهُ إنَّمَا الْمُحْتَاجُ لَهُ نَفْيُهَا عَنْ غَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا فَرْضٌ] ظَاهِرُهُ فَرْضٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا جُزْءَ فَرْضٍ، وَجُزْءُ الْفَرْضِ فَرْضٌ، اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ بِالْأَصَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ يَنْوِي فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ بِذَكَرِهِمَا الْوُجُوبَ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ وَإِيمَانُهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَذِكْرُهُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِيهِ النِّزَاعُ الَّذِي قَدْ عَلِمْته. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ نَبَّهَ إلَخْ] أَيْ فَذَكَرَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِيَعْتَقِدَ مَضْمُونَهُ وَيَنْطِقَ بِهِ مِنْ كَوْنِ رَسُولِهِ خَاتَمَ الرُّسُلِ أَيْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا فَرْضٌ بِمَا سَيَأْتِي مَضْمُومًا لِمَا هُنَا.
[قَوْلُهُ: مُتَرَادِفُهُ] أَيْ مَدْلُولُهَا وَاحِدٌ مَاصَدَقُهَا كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ] أَيْ فَقَدْ اخْتَلَفَا بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ وَإِنْ اتَّحَدَا بِحَسَبِ الذَّاتِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ اتَّحَدَا ذَاتًا وَمُتَعَلَّقًا أَيْ لَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَكَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِيهِمَا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي يَصِحُّ عَكْسُهُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي، فَقَالَ: لَا شَبِيهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا شَبِيهَ لَهُ إلَخْ تَأْكِيدٌ أَيْضًا. وَحَاصِلُ تَوْضِيحِ الْمَقَامِ أَنَّ اللُّغَوِيِّينَ يَجْعَلُونَ الْمَثِيلَ وَالنَّظِيرَ وَالشَّبِيهَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَارِحُنَا، وَلِلسُّيُوطِيِّ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَثِيلَ الْمُسَاوِيَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالشَّبِيهَ الْمُشَارِكُ فِي أَكْثَرِ الْوُجُوهِ شَارَكَهُ فِي الْكُلِّ أَمْ لَا، وَالنَّظِيرُ الْمُشَارِكُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَكْثَرَهَا سَوَاءٌ شَارَكَ فِي بَقِيَّتِهَا أَمْ لَا، فَالْمَثِيلُ أَخَصُّ مِنْ الشَّبِيهِ وَالشَّبِيهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute