صِفَاتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ لَمْ يَكُنْ إلَهًا وَاحِدًا (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ لَهُ وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ) أَيْ زَوْجَةً (وَلَا شَرِيكَ لَهُ) فِي أَفْعَالِهِ إذْ مِنْهُ الْإِيجَادُ وَالِاخْتِرَاعُ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَلَا لِآخِرِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ) مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ وُجُودُهُ مُفْتَتَحًا فَيَكُونُ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا مُنْقَضِيًا فَيَكُونُ لَهُ آخِرٌ فَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ، فَمُحَالٌ فِي حَقِّهِ الْأَوَّلِيَّةُ وَالْآخِرِيَّةُ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد: ٣] أَيْ
ــ
[حاشية العدوي]
أَخَصُّ مِنْ النَّظِيرِ.
[قَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] دَلِيلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْكَافُ صِلَةٌ أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ مُمَاثِلًا لَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ وَلَا مِنْ حَيْثُ صِفَاتِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ لِلطَّرَفَيْنِ مَعًا، وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْبَيْضَاوِيُّ: الْمِثْلُ فِي الْآيَةِ إمَّا بِمَعْنَى الذَّاتِ أَوْ الصِّفَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْآيَةِ بِالْمَعْنَيَيْنِ مَعًا عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ إنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، وَقِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: أَوَّلُ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى الْمُجَسِّمَةِ وَآخِرُهَا إثْبَاتٌ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ النَّافِينَ لِزِيَادَةِ الصِّفَاتِ، وَقَدَّمَ النَّفْيَ عَلَى الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ] أَيْ لَيْسَ أَحَدٌ مُمَاثِلًا لَهُ لَا فِي الذَّاتِ وَلَا فِي الصِّفَاتِ.
[قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَوْ هَذِهِ شَرْطِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُقَدَّمٍ وَتَالٍ وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ الَّذِي هُوَ الْمُشَابَهَةُ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْمُشَابَهَةُ ثَبَتَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ وَنَفْيُ الْمُشَابَهَةِ فِي الذَّاتِ وَفِي الصِّفَاتِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا فَرْدَانِ مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْدَانِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِالْوَحْدَانِيَّةِ عَلَى نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ.
[قَوْلُهُ: لَا وَلَدَ لَهُ] ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.
[قَوْلُهُ: وَلَا وَالِدٌ] أَرَادَ بِهِ جِنْسَ الْوَالِدِ أَيْ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ أَبًا أَوْ أُمًّا أَدْنَى أَوْ أَعْلَى [قَوْلُهُ: أَيْ زَوْجَةً] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ السُّرِّيَّةَ [قَوْلُهُ: وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي أَفْعَالِهِ] الْأَوْلَى، أَنْ يَقُولَ فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تَنْفِي أَنَّ لِغَيْرِهِ أَفْعَالًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ عَمَّمَ فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ بِحَيْثُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلْيَكُنْ قَوْلُهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ، مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَإِنْ خَصَّ بِمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ.
[قَوْلُهُ: إذْ مِنْهُ الْإِيجَادُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إذْ مِنْهُ الْوُجُودُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَادَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِوُجُودِ الْمَقْدُورِ، فَلَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ نَاشِئًا مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَالِاخْتِرَاعُ] عَيْنُ الْإِيجَادِ [قَوْلُهُ: مَعْنَى كَلَامِهِ إلَخْ] أَيْ فَاللَّامُ فِيهَا بِمَعْنَى الْفَاءِ، وَابْتِدَاءُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَانْقِضَاءٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ فَلَيْسَ مُبْتَدَأً أَيْ مُفْتَتَحًا وُجُودُهُ فَيَكُونُ لَهُ أَوَّلٌ، وَلَا مُقْتَضِيًا فَيَكُون لَهُ آخِرٌ.
[قَوْلُهُ: فَيَكُونُ لَهُ أَوَّلٌ] مُتَفَرِّغٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَكَذَا قَوْلُهُ: فَيَكُونُ لَهُ آخِرٌ [قَوْلُهُ: فَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ إلَخْ] أَيْ لَا يَقْبَلُ الِانْتِفَاءَ لَا أَوَّلًا وَلَا آخِرًا قَصَدَ بِذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَذَا إشَارَةٌ إلَى عَقِيدَةِ الْوُجُودِ وَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مُفْتَتَحًا وَلَا مُنْقَضِيًا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَاجِبًا لَهُ الْوُجُودُ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْوُجُودِ الَّتِي أَشَارَ لَهَا السَّنُوسِيُّ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ الْوُجُودُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوُجُودِ الْمَوْصُوفِ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا الْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ اللَّذَانِ أَشَارَ لَهُمَا السَّنُوسِيُّ. بِقَوْلِهِ: بَعْدُ وَالْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ فَأَشَارَ لَهُمَا شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: فَمُحَالٌ فِي حَقِّهِ الْأَوَّلِيَّةُ وَالْآخِرِيَّةُ.
[قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ قَصَدَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا قُرِّرَ أَوَّلًا، بَلْ إشَارَةٌ إلَى حَلٍّ آخَرَ أَحْسَنَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ وَحَاصِلُهُ، أَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى السَّبْقِيَّةِ عَلَى الْأَشْيَاءِ، وَالْآخِرِيَّةُ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ، التَّابِعَيْنِ لَهُ تَعَالَى، وَأَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ لِسَبْقِيَّتِهِ الْأَشْيَاءَ ابْتِدَاءً وَلَا لِبَقَائِهِ انْقِضَاءً، بِخِلَافِ سَبْقِيَّةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ، فَلَهَا