السَّابِقُ لِلْأَشْيَاءِ الْبَاقِي بَعْدَهَا.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا يَبْلُغُ كُنْهَ) أَيْ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ (صِفَتِهِ الْوَاصِفُونَ) فَعَدَمُ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الذَّاتِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا يُحِيطُ بِأَمْرِهِ) أَيْ شَأْنِهِ (الْمُتَفَكِّرُونَ) أَيْ الْمُتَأَمِّلُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩] مِنْ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِعْزَازِ وَالْإِذْلَالِ وَالْإِفْقَارِ وَالْإِغْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(يَعْتَبِرُ الْمُتَفَكِّرُونَ) أَيْ يَتَّعِظُ الْمُتَأَمِّلُونَ (بِآيَاتِهِ) الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، فَالْعَقْلِيَّةُ مَخْلُوقَاتُهُ وَهِيَ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّرْعِيَّةُ آيَاتُ كِتَابِهِ وَأَدِلَّةُ خِطَابِهِ، (وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَائِيَّةِ ذَاتِهِ) بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ وَقَدْ تُبَدَّلُ هَاءً، فَيُقَالُ: مَاهِيَّةٌ وَمَعْنَاهُمَا الْحَقِيقَةُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
ــ
[حاشية العدوي]
ابْتِدَاءٌ وَبَقَاءُ ابْنِهِ بَعْدَهُ لَهُ انْقِضَاءٌ، فَلَا اسْتِحَالَةَ فِي الْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ.
[قَوْلُهُ: كُنْهَ إلَخْ] إضَافَةُ كُنْهٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، فَإِنْ قُلْت هَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ عَرَّفُوا الْعِلْمَ وَعَرَّفُوا الْقُدْرَةَ، وَغَيْرَهُمَا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَهَذَا يَقْتَضِي مَعْرِفَةَ الْكُنْهِ، قُلْت لَا نُسَلِّمُ؛ لِأَنَّ التَّعَارِيفَ كَمَا تُفِيدُ مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ أَيْ كُنْهَهُ تُفِيدُ تَمْيِيزَهُ عَمَّا عَدَاهُ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ، أَيْ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالرَّسْمِ لَا بِالْحَقِيقَةِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ بَابٍ أَوْلَى] أَيْ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا شَأْنُهَا الظُّهُورُ، وَقِيلَ: بِإِدْرَاكِ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَارِئَ يَعْلَمُ، وَالْعِلْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، إذْ لَوْ تَعَلَّقَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ لَكَانَ الْعِلْمُ جَهْلًا وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، إذْ الثَّانِي يُقِرُّ بِأَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ، وَالْعُقُولُ قَاصِرَةٌ عَنْ إدْرَاكِ جَلَالِهِ.
وَالْأَوَّلُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ عَرَفَهُ الْعَارِفُونَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ، وَتَحَقَّقُوا اتِّصَافَهُ بِوَاجِبِ الصِّفَاتِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُحِيطُ بِأَمْرِهِ. . . إلَخْ] الْإِحَاطَةُ وَالْعِلْمُ مُتَرَادِفَانِ، وَقِيلَ لَا فَالْمُتَعَلِّقُ بِالْمَحْسُوسَاتِ عِلْمٌ وَإِحَاطَةٌ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِغَيْرِهَا عِلْمٌ وَلَيْسَ بِإِحَاطَةٍ.
[قَوْلُهُ: أَيْ شَأْنِهِ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ، الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ مُكَلَّفُونَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ بِهِ قَالَهُ تت.
[قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَأَمِّلُونَ] أَيْ فَالْفِكْرُ لُغَةً التَّأَمُّلُ وَاصْطِلَاحًا تَرْتِيبُ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ لِتُؤَدِّي إلَى مَجْهُولٍ فَالتَّفْسِيرُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلَّ يَوْمٍ} [الرحمن: ٢٩]] هَذَا لَا يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لِعَدَمِ الْإِحَاطَةِ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ لَهُ شُؤُونًا كَثِيرَةً، وَكَوْنُهَا تُدْرَكُ أَوَّلًا شَيْءٌ آخَرُ.
[قَوْلُهُ: كُلَّ يَوْمٍ] أَيْ زَمَنٍ، [قَوْلُهُ: وَغَيْرِ ذَلِكَ] كَتَصْحِيحِ مَرِيضٍ وَإِمْرَاضِ صَحِيحٍ.
[قَوْلُهُ: بِآيَاتِهِ] أَيْ بِسَبَبِ آيَاتِهِ أَيْ بِسَبَبِ التَّفَكُّرِ فِيهَا.
[قَوْلُهُ: فَالْعَقْلِيَّةُ مَخْلُوقَاتُهُ] نِسْبَةً لِلْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَكَّرُ فِي أَحْوَالِهَا فَيَعْلَمُ أَنَّ لَهَا صَانِعًا، [قَوْلُهُ: بِأَسْرِهِ] أَيْ بِجُمْلَتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ] أَيْ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ جَوَاهِرُ وَأَعْرَاضٌ، وَالْحَقُّ نَفْيُ الْأَحْوَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُثْبَتَاتِ بَدَلَ الْمَوْجُودَاتِ لِإِدْخَالِهَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ وَصِفَاتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لَا يُقَالُ لَهَا عَيْنٌ.
[قَوْلُهُ: آيَاتِ كِتَابِهِ] إضَافَةُ الْكِتَابِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْقُرْآنِ، وَإِضَافَةُ الْآيَاتِ لِلْبَيَانِ مِنْ إضَافَةِ الْبَعْضِ لِلْكُلِّ، إنْ لُوحِظَ فِيهَا التَّفْصِيلُ وَإِنْ لُوحِظَ فِيهَا الْمَجْمُوعُ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ.
[قَوْلُهُ: وَأَدِلَّةُ خِطَابِهِ] أَيْ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى خِطَابِهِ، وَالْخِطَابُ، مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْكَلَامُ الْمُخَاطَبُ بِهِ أَيْ الْقَدِيمُ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَدِلَّةِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَحْكَامِهِ فَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ أَحَادِيثَ رَسُولِهِ. فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَتَفَكَّرُونَ] أَيْ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ لِلِاعْتِبَارِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَقُولُ لِأَحَدِكُمْ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَدَوَاءُ ذَلِكَ، أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَعْتَبِرُ، وَيَنْظُرُ فِي الْآيَاتِ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ، وَيَنْظُرَ فِي ذَاتِ مَوْلَاهُ [قَوْلُهُ: فِي مَائِيَّةٍ إلَخْ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ إلَخْ] نِسْبَةً لِمَا؛ لِأَنَّهُ يُجَابُ بِهَا عَنْ السُّؤَالِ بِمَا.
[قَوْلُهُ: فَيُقَالُ مَاهِيَّةً] نِسْبَةً لِمَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ يُجَابُ بِهَا عَنْ السُّؤَالِ بِمَا هُوَ، تَقُولُ: مَا الْإِنْسَانُ وَمَا هُوَ الْإِنْسَانُ، وَخُلَاصَةُ كَلَامِ الشَّارِحِ: أَنَّ الْمَائِيَّةَ وَالْمَاهِيَّةَ وَالْحَقِيقَةَ وَمِثْلُهَا الطَّبِيعَةُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ عِبَارَةً عَمَّا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ بِخِلَافِ الضَّاحِكِ وَالْكَاتِبِ مَثَلًا مِمَّا يُتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ بِدُونِهِ فَإِنَّهُ مِنْ