للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ إثْمِ الِاغْتِصَابِ

(وَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمَغْصُوبُ بِنَقْصٍ فِي ذَاتِهِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ حَالَةَ كَوْنِهِ (فِي يَدَيْهِ) أَيْ يَدَيْ الْغَاصِبِ (فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَقْصِهِ) مِنْ غَيْرِ أَرْشِ الْعَيْبِ (أَوْ تَضْمِينِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (الْقِيمَةَ) يَوْمَ الْغَصْبِ، ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ) فِي الْمَغْصُوبِ (بِتَعَدِّيهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (خُيِّرَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (أَيْضًا فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ) أَيْ مَعَ أَخْذِ (مَا نَقَصَهُ) ك: أَوْ تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّعَدِّي.

وَقَالَ ج: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي لَا مِنْ بَابِ الْغَصْبِ، وَيَعْنِي أَنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبًا مَثَلًا فَأَفْسَدَهُ إفْسَادًا كَثِيرًا أَنَّ رَبَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ مَا نَقَصَهُ أَوْ أَخْذِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّمَا لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ أَوْ أَخْذُهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ مَعَهُ، وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) ك: فِي بَعْضِ النَّسْخِ أَيْضًا وَهُوَ وَهَمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ نَقْصٌ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ مِثَالُهُ أَنْ يَغْصِبَ ثَوْبًا فَيَصْبُغُهُ فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ وَبَيْنَ أَخْذِ

ــ

[حاشية العدوي]

فَقَطْ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْأَدَبُ] بِمَعْنَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ تَأْدِيبُهُ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا وَيُسْجَنُ لِحَقِّ اللَّهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَأَدَبُ الصَّبِيِّ لِأَجْلِ الْفَسَادِ فَقَطْ لَا لِأَجْلِ التَّحْرِيمِ، كَمَا يُؤَدَّبُ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ تَهْذِيبًا لِلْأَخْلَاقِ، وَيُؤَدَّبُ الْغَاصِبُ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ.

[قَوْلُهُ: وَالِاسْتِغْفَارُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ إذْ الْفُقَهَاءُ إذَا أَطْلَقُوا الِاسْتِغْفَارَ مُرَادُهُمْ التَّوْبَةُ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَغْصُوبُ] أَيْ تَعَيَّبَ وَقَوْلُهُ: الْمَغْصُوبُ أَيْ الْمُقَوَّمُ قَالَهُ عج، أَيْ إذَا تَعَيَّبَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا كَمَا إذَا غَصَبَ أَمَةً قَائِمَةَ الثَّدْيَيْنِ فَانْكَسَرَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَقَوْلُ عج: أَيْ الْمُقَوَّمُ احْتِرَازًا مِنْ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ إذَا عَيَّبَهُ وَمِثْلُهُ إذَا أَتْلَفَهُ فَإِنْ يَضْمَنْ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ الْمِثْلِيُّ وَقْتَ الْغَصْبِ غَالِيًا وَوَقْتَ الْقَضَاءِ بِهِ رَخِيصًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمِثْلِيُّ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا وَأَرَادَ بِهِ أَخْذَهُ وَأَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهِ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ تَضْمِينُهُ] أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ خُيِّرَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ] أَيْ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّغَيُّرَ مُوجِبٌ لِذَلِكَ التَّخْيِيرِ، وَلَوْ كَانَ تَغَيُّرُ سُوقٍ إلَخْ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ تَغَيُّرَ السُّوقِ لَغْوٌ

[قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْمَغْصُوبِ بِتَعَدِّيهِ] يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ.

وَقَوْلُهُ: بِتَعَدِّيهِ أَيْ الْغَاصِبِ أَيْ بِفِعْلِهِ وَلَوْ خَطَأً لِأَنَّهُ كَالْعَمْدِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ احْتِرَازًا مِنْ تَعَدِّي الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ رَبَّ الشَّيْءِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ وَيَتْبَعَ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ يَأْخُذَ شَيْأَهُ، وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْؤُهُ وَاتِّبَاعُ الْغَاصِبِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ.

[قَوْلُهُ: يَوْمَ التَّعَدِّي] أَرَادَ بِهِ الْغَصْبَ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْغَصْبِ لَا فِي التَّعَدِّي

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ج هَذِهِ إلَخْ] قَالَ تت: وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِتَعَدِّيهِ لِلْغَاصِبِ كَمَا قَرَّرْنَا، وَعَلَى مَا ذَكَرَ يَعُودُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبًا مَثَلًا] وَمِنْ ذَلِكَ إذَا قَطَعَ ذَنَبَ دَابَّةٍ شَخْصٌ ذُو هَيْئَةٍ وَمُرُوءَةٍ كَقَاضٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ قَطَعَ أُذُنَهَا أَوْ قَطَعَ طَيْلَسَانَهُ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعَدِّي أَوْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ وَمَا نَقَصَ.

[قَوْلُهُ: إفْسَادًا كَثِيرًا إلَخْ] هُوَ مَا أَفَاتَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ.

[قَوْلُهُ: فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ إلَخْ] أَيْ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ يُقَالُ: مَا قِيمَتُهُ مَعِيبًا بِمَا أَحْدَثَهُ الْمُتَعَدِّي؟ فَيُقَالُ: ثَمَانِيَةٌ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُتَعَدِّي دِرْهَمَيْنِ أَوْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَيَتْرُكُهُ لِلْمُتَعَدِّي.

[قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْيَسِيرِ] أَيْ فَإِنَّ الْيَسِيرَ فِي بَابِ التَّعَدِّي لَا يُوجِبُ تَخْيِيرًا إنَّمَا لِرَبِّهِ أَخْذُ أَرْشِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ فِي بَابِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لِرَبِّهِ أَخْذَ الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ وَالْيَسِيرُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُفِتْ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَمَا إذَا تَعَدَّى عَلَى بَقَرَةٍ شَخْصٌ فَفَعَلَ بِهَا فِعْلًا أَذْهَبَ بِهِ لَبَنَهَا لِأَنَّ الْبَقَرَةَ تُرَادُ لِغَيْرِ اللَّبَنِ.

[قَوْلُهُ: وَعَنْ أَشْهَبَ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ وَهَمٌ] أَيْ لَفْظٌ أَيْضًا وَهَمٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلَطٌ

[قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ] أَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَا زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَهُ الصَّبْغُ فَإِنَّهُ يَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ شَيْءٍ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ سَالِمًا مِنْ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>