للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْخِلَابَةُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ بِالْكَذِبِ فِي الثَّمَنِ أَوْ يَرْقُمُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ، وَلَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ (وَلَا) يَجُوزُ (الْخَدِيعَةُ) وَهِيَ أَنْ يَخْدَعَهُ بِالْكَلَامِ حَتَّى يُوقِعَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: تَعَالَ اشْتَرِ مِنِّي وَأَنَا أُرَخِّصُ لَك.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا) تَجُوزُ (كِتْمَان الْعُيُوبِ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ التَّدْلِيسُ (وَلَا) يَجُوزُ (خَلْطُ دَنِيءٍ) بِالْهَمْزِ (بِجَيِّدٍ) كَخَلْطِ حِنْطَةٍ دَنِيئَةٍ بِجَيِّدَةٍ (وَلَا) يَجُوزُ (أَنْ يَكْتُمَ مِنْ أَمْرِ سِلْعَتِهِ مَا) أَيْ شَيْئًا (إذَا ذَكَرَهُ كَرِهَهُ الْمُبْتَاعُ) كَثَوْبِ الْمَيِّتِ أَوْ الْمُجَذَّمِ (أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ) أَيْ الشَّيْءِ (أَبْخَسَ) أَيْ أَنْقَصَ (لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (فِي الثَّمَنِ) كَالثَّوْبِ الْجَدِيدِ إذَا كَانَ نَجِسًا أَوْ مَغْسُولًا، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . ك: لَا

ــ

[حاشية العدوي]

وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ إفْرَاطِ الْغِشِّ خَلْطَ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْخَدِيعَةُ بِالْكَذِبِ فِي الثَّمَنِ] أَيْ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا أَخَذْتُهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَنَا أُنْقِصُ لَك مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَقُولَ أَنَا أُنْقِصُهَا وَوَجْهُ كَوْنِهَا خَدِيعَةً إبْهَامُ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ لِكَوْنِهَا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ [قَوْلُهُ: أَوْ يَرْقُمَ عَلَيْهَا] بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِالْكَذِبِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: ٥١] عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ وَحْيًا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا غِشٌّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَذِبٌ، وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فِي الْمُرَابَحَةِ فَفِي الْكَذِبِ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الْكَذِبَ وَرِبْحَهُ بِخِلَافِ الْغِشِّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَإِنْ حَطَّ عَنْهُ بَائِعُهُ مَا غَشَّهُ بِهِ، فَالْمُشْتَرِي فِي حَالَةِ الْغِشِّ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْفَوَاتِ فَفِي الْغِشِّ أَقَلُّ الثَّمَنِ، وَالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَفِي الْكَذِبِ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ أَخْذِ الثَّمَنِ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَخْدَعَهُ إلَخْ] بِتَفْسِيرِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ يُفْهَمُ أَنَّ عَطْفَ الْخَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَابَةِ عَطْفٌ مُغَايِرٌ.

[قَوْلُهُ: وَأَنَا أُرَخِّصُ لَك] أَيْ أَوْ يُجْلِسُهُ عِنْدَهُ وَيُحْضِرُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ [قَوْلُهُ: دَنِيءٌ] بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى دُونٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْقَرِيبِ فَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ كَمَا قَالَهُ ك، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْغِشِّ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلِاخْتِيَارِ حَذْفَ قَوْلِهِ: وَلَا كِتْمَانُ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ التَّدْلِيسِ الَّذِي قَدَّمَهُ، وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَا كِتْمَانُ الْعُيُوبِ تَفْسِيرَ التَّدْلِيسِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا خَلْطُ دَنِيءٍ بِجَيِّدٍ تَفْسِيرٌ لِلْغِشِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ، وَأَمَّا إنْ خَلَطَهُ لِعَيْشِهِ وَبَاعَ فَضْلَةً اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ كَمَا فِي تت.

تَنْبِيهٌ:

يُعَاقَبُ مَنْ غَشَّ بِسَجْنٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إخْرَاجٍ مِنْ السُّوقِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَدْ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَيْهِ يَصِحُّ رَدُّهُ بَعْدَ مُدَّةٍ يُرْجَى فِيهَا أَنَّهُ قَدْ تَابَ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ [قَوْلُهُ: مَا إذَا ذَكَرَهُ كَرِهَهُ الْمُبْتَاعُ] مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَا يَكْرَهُهُ الْمُبْتَاعُ لَا يَجِبُ بَيَانُهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ غَيْرُهُ [قَوْلُهُ: كَثَوْبِ الْمَيِّتِ] فَسَّرَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ لِيُفِيدَ مُغَايَرَتَهُ لِلتَّدْلِيسِ [قَوْلُهُ: أَيْ أَنْقَصَ] الْمَعْنَى أَشَدُّ بَخْسًا أَيْ أَشَدُّ نَقْصًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ لَيْسَتْ مُرَادَةً فَالْمُرَادُ أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ ذَا نَقْصٍ.

وَقَوْلُهُ: كَالثَّوْبِ الْجَدِيدِ إلَخْ مَثَّلَ الشَّارِحُ بِمَا يُفِيدُ مُغَايَرَةَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ يَبِيعُهُ ثَوْبًا جَدِيدًا فِيمَا يَقَعُ فِي ذِهْنِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ مَغْسُولًا، وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ إلَخْ] ذِكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ دُونَ الْبَقِيَّةِ فَفِيهِ قُصُورٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْخِدَاعِ فِي الْبَيْعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ بَابِ مَا يَمْحَقُ الْكَذِبَ، وَالْكِتْمَانَ فِي الْبَيْعِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» أَوْ قَالَ: «حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» أَيْ صَاحِبُهَا.

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ دَلِيلَ مَنْعِ بَيْعِ الْغَرَرِ فَرَاجِعْهُ [قَوْلُهُ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: أَيْ لَيْسَ مَهْدِيًّا بِهَدْيِنَا وَلَا مُتَّبِعًا لِسُنَّتِنَا؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>