بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ سُنَّةً أَوْ فَضِيلَةً، وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ مُحَرَّمَةً كَانَتْ أَوْ مَكْرُوهَةً، (فَإِنَّك) جَوَابُ أَمَّا التَّقْدِيرُ أَمَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّك (سَأَلْتَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً) وَهِيَ الْقَلِيلَةُ اللَّفْظِ الْكَثِيرَةُ الْمَعْنَى، ثُمَّ بَيَّنَ الْجُمْلَةَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ) وَفِي نُسْخَةٍ الدِّيَانَاتِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ (مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ) كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَ) مِمَّا (تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ) كَالْإِيمَانِ (وَ) مِمَّا (تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ) كَالصَّلَاةِ
ــ
[حاشية العدوي]
بِقَوْلِهِ حِفْظِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَأَعَانَنَا عَلَى حِفْظِ إلَخْ] تَفَنَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّعْبِيرِ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِالتَّكْرَارِ، فَعَبَّرَ بِرِعَايَةٍ فِي الْوَدَائِعِ وَبِالْحِفْظِ فِي الشَّرَائِعِ مَعَ أَنَّ مَعْنَى رِعَايَةٍ حِفْظٌ.
[قَوْلُهُ: مَا أَوْدَعَنَا إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ وَالشَّرَائِعِ مُودَعُ الْمُكَلَّفِ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهِ لَكِنْ حِفْظُ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: جَمْعُ شَرِيعَةٍ] إلَخْ هِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ وَشَرْعًا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ الْأَحْكَامُ تَفْسِيرٌ لِلشَّرَائِعِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ لَا تَفْسِيرٌ لِلْمُفْرَدِ، فَتَأَمَّلْ فِي الْمَقَامِ تَقِفْ عَلَى الْمُرَادِ، وَالْحُكْمُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْإِيجَابُ وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلنِّيَّةِ فِي قَوْلِك النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ.
[قَوْلُهُ: بِالْإِتْيَانِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: جَوَابُ أَمَّا] فِيهِ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا بِالنِّسْبَةِ لِشَرْطِهِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَك سَأَلْتنِي. [قَوْلُهُ: مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ] مُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ تَأَكُّدُ التَّقْدِيمِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ إلَخْ] أَيْ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَآمَنُوا بِاَللَّهِ إلَخْ، ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَفْعَالُ مُسْنَدَةً لِغَيْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ. [قَوْلُهُ: أَنْ أَكْتُبَ لَك] أَيْ أُصَنِّفَ لَك، وَعَدَلَ عَنْهُ إلَى الْكَتْبِ تَوَاضُعًا لِمَا فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّأْلِيفِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَيْ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ التَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ الْمَوْلَى. [قَوْلُهُ: جُمْلَةً] أَيْ طَائِفَةً مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَقْصُودِ لِلسَّائِلِ، وَعَبَّرَ بِجُمْلَةٍ دُونَ الْجُمَلِ مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ إشْعَارًا بِقِلَّتِهَا.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ الْقَلِيلَةُ اللَّفْظُ] تَفْسِيرٌ لِلْمُخْتَصَرَةِ أَيْ فَالِاخْتِصَارُ التَّعْبِيرُ بِاللَّفْظِ الْقَلِيلِ عَنْ الْمَعْنَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاقْتِصَارِ أَنَّ الِاخْتِصَارَ مَا ذَكَرَ وَالِاقْتِصَارُ الْإِتْيَانُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ دُونَ بَعْضٍ، ثُمَّ يَرِدُ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِمَا ذَكَرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ. وَقَوْلُهُ: الْقَلِيلَةُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ لَفْظٌ وَلَا يَصِحُّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْصُوفَ بِالْقِلَّةِ يُرَادُ مِنْهُ أَجْزَاءُ ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ بِالْجُمْلَةِ، فَحَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وَاجِبٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ أَحْكَامٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَحْكَامِ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ، وَالْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ الْأَحْكَامِ بَلْ دَالَّةٌ عَلَى الْأَحْكَامِ، فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ آخَرُ أَيْ مِنْ دَالِّ أَحْكَامٍ وَاجِبٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: أُمُورِ] جَمْعُ أَمْرٍ بِمَعْنَى الشَّأْنِ فَيَشْمَلُ الْأَقْوَالَ وَغَيْرَهَا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الدِّيَانَةِ الَّتِي سَيَذْكُرُهَا مِنْهَا الْقَوْلُ وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَمِنْهَا الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ وَمِنْهَا أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ، وَإِضَافَةُ وَاجِبٍ إلَى أُمُورٍ مِنْ إضَافَةِ الْبَعْضِ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَعْضُ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَإِضَافَةُ أُمُورٍ إلَى الدِّيَانَةِ لِلْبَيَانِ أَيْ أُمُورٍ هِيَ الدِّيَانَةُ، وَأَلْ فِي الدِّيَانَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَطَابَقَ الْبَيَانُ الْمُبَيَّنُ، وَالدِّيَانَةُ الْعِبَادَةُ [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الْجِنْسُ لَا الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا نَفْسُهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ أَيْ أَنْوَاعٍ هِيَ الْعِبَادَاتُ.
[قَوْلُهُ: مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ] حَالٌ مِنْ وَاجِبِ أَيْ حَالَةِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بَعْضَ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اللِّسَانَ آلَةُ النُّطْقِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ إسْنَادُ النُّطْقِ إلَى اللِّسَانِ مَجَازًا عَقْلِيًّا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: كَالشَّهَادَتَيْنِ] أَيْ مَا صَدَّقَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّطْقُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
[قَوْلُهُ: كَالْإِيمَانِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُعْتَقَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.