وَقَوْلُهُ (وَمَا يَتَّصِلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى وَاجِبٍ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (بِالْوَاجِبِ) لِلْعَهْدِ، وَالْإِشَارَةُ فِي (مِنْ ذَلِكَ) عَائِدَةٌ عَلَى مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَالْوَاجِبُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْوَاجِبُ وَهُوَ عِنْدَنَا مُرَادِفٌ لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ وَيُذَمُّ تَارِكُهُ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْحَرَامُ وَهُوَ مَا يُمْدَحُ تَارِكُهُ وَيُذَمُّ فَاعِلُهُ شَرْعًا،
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ] أَيْ الْهَيْئَةِ الْمَعْهُودَةِ خَارِجًا؛ لِأَنَّهَا الْمَعْمُولَةُ لِلْجَوَارِحِ
[قَوْلُهُ: وَمَا يَتَّصِلُ إلَخْ] الْمُرَادُ الِاتِّصَالُ رُتْبَةً؛ لِأَنَّ رُتْبَةَ السُّنَنِ بَعْدَ رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ فُعِلَتْ قَبْلَهَا، أَوْ وَحْدَهَا كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ.
[قَوْلُهُ: لِلْعَهْدِ] أَيْ الْخَارِجِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، أَيْ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَنُكْتَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أُضْمِرَ لَتُوُهِّمَ رُجُوعُهُ لِمَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ حَالٌ مِنْ مَا أَوْ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَتَّصِلُ أَيْ وَاَلَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْوَاجِبُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الَّذِي يَتَّصِلُ بَعْضُ مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، أَوْ حَالٌ مِنْ الْوَاجِبِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْوَاجِبِ مِمَّا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَالِاحْتِمَالَانِ مُتَلَازِمَانِ فَإِذَا اعْتَبَرْت الْوَاجِبَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَالْمُتَّصِلُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا اعْتَبَرْته مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فَالْمُتَّصِلُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا اعْتَبَرْت الْمُتَّصِلَ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ يَكُونُ ذَلِكَ الْوَاجِبُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَهَكَذَا. وَإِنَّمَا قُصِرَ اسْمُ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ لِكَوْنِهِ بَيَّنَ الْمُتَّصِلَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ مِنْ السُّنَنِ مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا تَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ الْوَاجِبَ، فَلَا يَتَّصِلُ بِهِ رَغِيبَةٌ وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ الْوَاجِبَ لَا تَتَّصِلُ بِهِ سُنَّةٌ وَلَا رَغِيبَةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ فِيهَا مَا هُوَ سُنَّةٌ وَفِيهَا مَا هُوَ رَغِيبَةٌ وَفِيهَا مَا هُوَ فَضِيلَةٌ فَيَتَّصِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِالْوَاجِبِ مِنْهَا، وَمَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فِيهِ السُّنَّةُ كَقِرَاءَةِ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَالْفَضِيلَةُ كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ بِإِثْرِ الْفَرِيضَةِ، فَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ فِي حَالِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ السُّنَّةُ وَالْفَضِيلَةُ فَقَطْ، وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ فِيهِ الْفَضِيلَةُ فَقَطْ أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ، فَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مِمَّا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ الْفَضِيلَةُ فَقَطْ كَاعْتِقَادِ فَضْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَعُ عِلْمُهُ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ.
[قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ أَحَدُ أَقْسَامِ إلَخْ] فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْإِيجَابُ لَا الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ [قَوْلُهُ: أَقْسَامُ الْأَحْكَامِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَقْسَامٌ هِيَ الْأَحْكَامُ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: الشَّرْعِيَّةِ] نِسْبَةٌ لِلشَّرْعِ وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ هُوَ الْأَحْكَامُ فَفِيهِ نِسْبَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْعِ الْأَدِلَّةُ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مَجَازًا أَوْ يُرَادُ بِهِ الشَّارِعُ كَذَلِكَ أَيْ مَجَازًا؛ وَالشَّارِعُ حَقِيقَةً اللَّهُ تَعَالَى وَمَجَازًا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ عِنْدَنَا إلَخْ] الْمُحْتَرَزُ عَنْهُ الْحَنَفِيَّةُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُوَافِقُونَنَا عَلَى تَرَادُفِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ إلَّا فِي الْحَجِّ، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْفَرْضُ يُغَايِرُ الْوَاجِبَ حَتَّى فِي غَيْرِ بَابِ الْحَجِّ، فَالْفَرْضُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ هَكَذَا يَقُولُونَ. ثُمَّ إنَّ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامًا حَيْثُ أَطْلَقَ الْوَاجِبَ أَوَّلًا مُرَادًا مِنْهُ الْمَعْنَى، وَأَطْلَقَهُ ثَانِيًا وَأَرَادَ بِهِ اللَّفْظَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَفَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ، أَيْ أَنَّ لَفْظَ الْوَاجِبِ يُرَادِفُ لَفْظَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَادَفَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ] أَيْ الْوَاجِبُ بِمَعْنَى الْمَدْلُولِ الَّذِي تَرَادَفَ عَلَيْهِ اللَّفْظَانِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ. [قَوْلُهُ: مَا يُمْدَحُ] أَيْ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَإِنْ لَمْ يُمْدَحْ بِالْفِعْلِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَدْحَ الْمَوْلَى لَهُ. [قَوْلُهُ: فَاعِلُهُ] أَيْ اخْتِيَارًا فَالْمُكْرَهُ عَلَى إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا. [قَوْلُهُ: وَيُذَمُّ تَارِكُهُ] فَفَاعِلُ الْمَكْرُوهِ لَا يُذَمُّ وَإِنْ كَانَ يُلَامُ أَيْ اخْتِيَارًا فَمَنْ تَرَكَهُ مُكْرَهًا لَا يُذَمُّ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ.
تَنْبِيهٌ: هَلْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَنَحْوُهَا مِنْ كُلِّ وَاجِبٍ لَا يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى نِيَّةٍ يَتَوَقَّفُ الْمَدْحُ فِيهِ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ كَمَا قِيلَ فِي الثَّوَابِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُمْدَحُ تَارِكُهُ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ غَفْلَةً عَنْهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ غَفْلَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الِامْتِثَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا فِي الْأُولَى، وَأَوْلَى إذَا كَانَ خَوْفًا. [قَوْلُهُ: شَرْعًا] هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْكُلِّ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute