للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاعَ بَيْعَ رِبًا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ يُؤَدَّبُ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ وَيُفْسَخُ، فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ.

وَالْأَلِفُ، وَاللَّامُ الَّتِي فِي الرِّبَا لِلْعَهْدِ وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ: (وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ) وَهِيَ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (فِي الدُّيُونِ إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ) دَيْنَهُ (وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ) أَيْ يَزِيدَ (لَهُ فِيهِ) مَا ذَكَرَهُ أَحَدَ أَنْوَاعِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ رِبَا نَسَاءٍ وَهُوَ هَذَا، وَرِبَا مُزَابَنَةٍ وَهُوَ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَرِبَا فَضْلٍ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ

ــ

[حاشية العدوي]

بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَيُطْعَمُ مِنْ مَالِهِ دُونَ عِيَالِهِ

[قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ بَيْعَ رِبًا] أَرَادَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا، وَهُوَ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ حَلَالًا لِأَجَلٍ [قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ] بِأَنْ جَهِلَ كَوْنَهُ حَرَامًا كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ] ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ] كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ.

تَنْبِيهٌ:

فَإِنْ قَبَضَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ رَدَّهُ لِرَبِّهِ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ فَهُوَ لَهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بَلْ يَسْقُطُ عَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: لِلْعَهْدِ] أَيْ الْمَعْهُودِ خَارِجًا عِلْمًا لَا ذِكْرًا صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً عَلَى طَرِيقَةِ فَنِّ الْمَعَانِي أَوْ الْمَعْهُودِ ذِهْنًا عَلَى طَرِيقَةِ النَّحْوِيِّينَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ. الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ بَيْعٍ التَّفَاضُلُ فِيهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الرِّبَا فِي اللِّسَانِ الزِّيَادَةُ فَعَلَى هَذَا الْأَلِفُ، وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ] أَيْ الْأَزْمِنَةُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.

فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ نِسْبَةً إلَى الْجَهْلِ بِقِسْمَيْهِ مُرَكَّبًا وَبَسِيطًا. [قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ بِتَقْدِيرِ دَيْنِهِ مَفْعُولًا لِيَقْضِيَهُ يُعْلَمُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَقْضِيَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ، وَيَحْتَمِلُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَلَامِهِ أَنْ يَعُودَ عَلَى الدَّيْنِ، وَضَمِيرُ لَهُ يَعُودُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَضَمِيرُ يُرْبِي عَائِدٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الدَّيْنِ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَنَقُولُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِهِ لَيْسَ مِنْ الرِّبَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي الدُّيُونِ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ دَيْنَهُ يَزِيدُ لَهُ فِيهِ أَيْ أَنَّ رِبَاهُمْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ.

وَهَلْ قَوْلُهُ فِي الدُّيُونِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ أَوْ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ بَقِيَّةَ أَنْوَاعِ الرِّبَا فَيَكُونُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهَا؟ [قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ أَيْ يَزِيدَ لَهُ فِيهِ] أَيْ وَيُؤَخِّرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ، وَإِنْ وَقَعَ وَأَخَّرَ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ، وَفِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْحُرْمَةِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَجَلًا ثَانِيًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ عِنْدَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ سَلَفٍ عَلَى رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ وَمِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ مُخَالِفٍ لِجِنْسِ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ حِينَ التَّأْخِيرِ قَدْرَ الدَّيْنِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت، وَلَعَلَّهُ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضٍ تَبِعَهُ الشَّيْخَانِ وَظَاهِرُ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ حِينَ كَتْبِي هَذَا مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ أَنَّهُ نَوْعَانِ فَقَطْ وَانْظُرْهُ. [قَوْلُهُ: رِبَا نَسَاءٍ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ بَلْ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: مُزَابَنَةً] مَأْخُوذٌ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ بَيْعُ مَعْلُومٍ] اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ بَيْعَ إرْدَبِّ سِمْسِمٍ بِقِنْطَارٍ مِنْ زَيْتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُزَابَنَةِ.

تَنْبِيهٌ:

يَجُوزُ إنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ شَمِلَ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبًا أَصْلًا، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَاكِهَةِ مِنْ جِنْسِهَا إذَا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ لَكِنْ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَأَمَّا مَا يَدْخُلهُ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ فِي الْجَوَازِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>