بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ) بِالْمَدِّ، وَالْهَمْزِ كَخَطِيئَةٍ (بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ) مِنْهُ (الذَّهَبُ) أَيْ بَيْعُ الذَّهَبِ (بِالذَّهَبِ) يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا، وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِهِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تَشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» الْحَدِيثَ. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا: الْمُبَادَلَةُ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ مَسْكُوكَةً عَدًّا بِأَوْزَانٍ مِنْهَا سُدُسًا سُدُسًا فَأَقَلَّ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ مُتَفَاضِلًا زِيَادَةَ إيضَاحٍ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) بَيْعُ (فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ) .
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِهِ] احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ.
وَلَوْ بِنَاقِلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَبَيْعِ إنَاءِ نُحَاسٍ بِنُحَاسٍ كَانَا جُزَافَيْنِ أَوْ كَانَ الْجُزَافُ أَحَدَهُمَا. [قَوْلُهُ: بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ] سَوَاءٌ كَانَا مَسْكُوكَيْنِ أَوْ مَصُوغَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ [قَوْلُهُ: يَدًا بِيَدٍ] أَيْ ذَا يَدٍ كَائِنَةٍ مَعَ يَدٍ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضَيْنِ، وَكِلَاهُمَا أَعْنِي يَدًا بِيَدٍ وَمُتَفَاضِلًا حَالٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ حَالٌ مِنْهُمَا، وَالثَّانِي حَالٌ مِنْ الْأَحَدِ الْمُقَدَّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا فِي حَالَةِ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضَيْنِ، وَحَالَةُ كَوْنِ أَحَدِهِمَا ذَا فَضْلٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مُتَفَاضِلَيْنِ. [قَوْلُهُ: إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ] أَيْ إلَّا حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَمَاثِلَيْنِ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ، أَيْ مَعَ الْحُلُولِ، وَالتَّقَابُضِ بِالْمَجْلِسِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَشِفُّوا] بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَا تُفَضِّلُوا، وَالشِّفُّ بِكَسْرِ الشِّينِ الزِّيَادَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى النُّقْصَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] تَمَامُهُ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ، أَيْ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ، أَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» .
وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» . [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا الْمُسَافِرُ يَكُونُ مَعَهُ الْعَيْنُ غَيْرُ مَسْكُوكَةٍ. وَلَا تَرُوجُ مَعَهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِلسَّكَّاكِ لِيَدْفَعَ لَهُ بَدَلَهَا مَسْكُوكًا وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ أُجْرَةِ السِّكَّةِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ زَائِدَةٌ، وَعَلَى كَوْنِهَا عَرْضًا تُفْرَضُ مَعَ الْعَيْنِ عَيْنًا، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُسَافِرِ مِنْ السَّفَرِ عِنْدَ تَأْخِيرِهِ لِضَرْبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ إعْطَاءِ دِرْهَمٍ وَأَخْذِ نِصْفِهِ وَيَأْخُذُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ طَعَامًا اُنْظُرْهُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
[قَوْلُهُ: سُدُسًا إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ الَّذِي تَسْمَحُ بِهِ النُّفُوسُ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ دِرْهَمٍ] الْأَوْلَى فِي كُلِّ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ فَرَضَهُ فِي الدَّنَانِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الْمُبَادَلَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شُرُوطٍ، أَنْ تَقَعَ بِلَفْظِ الْمُبَادَلَةِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مُبَادَلَةً أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَنْ تَكُونَ مَسْكُوكَةً لَا مَسْكُورًا وَتِبْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ السِّكَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مَسْكُوكَةً وَأَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ بِهِ عَدًّا لَا وَزْنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: عَدًّا، وَأَنْ يَكُونَ دُونَ سَبْعَةٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُعْطِيَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ، فَلَوْ زَادَتْ عَلَى السِّتَّةِ وَلَمْ تَصِلْ لِلسَّبْعَةِ فَيَمْتَنِعُ وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: سِتَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ لَا وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَايَعَةِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَزْنٍ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا فِي الْوَزْنِ جَازَتْ الْمُبَادَلَةُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ. [قَوْلُهُ: وَالْفِضَّةُ] قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سُمِّيَتْ الْفِضَّةُ فِضَّةً لِانْفِضَاضِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفَضُّ وَتَنْكَسِرُ، وَسُمِّيَ الذَّهَبُ ذَهَبًا؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ بِالْقُرْبِ أَوْ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ عَنْ صَاحِبِهِ الْفَقْرَ، وَالْبُؤْسَ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَكَأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ.
[قَوْلُهُ: إلَّا يَدًا بِيَدٍ] أَيْ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute