وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرِّبَا فِي الطَّعَامِ (وَ) قَسَّمَ ذَلِكَ سِتَّةَ أَقْسَامٍ (الطَّعَامُ مِنْ الْحُبُوبِ) الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ (وَ) مِنْ (الْقَطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْفُولُ، وَالْحِمَّصُ، وَالْبَسِيلَةُ وَأَوْلَاهَا الْجُلْبَانُ، وَالْكِرْسِنَّةُ (وَ) مِنْ (شَبَهِهَا) أَيْ الْقَطْنِيَّةِ (مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ) وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ بِنْيَةُ الْآدَمِيَّةِ كَاللَّحْمِ، وَالسَّمْنِ (أَوْ إدَامٌ) وَهُوَ مَا يَتَّبِعُ الْقُوتَ مِنْ مُصْلِحَاتِهِ كَالْمِلْحِ، وَالْبَصَلِ (لَا يَجُوزُ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَالطَّعَامُ أَيْ الطَّعَامُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ (الْجِنْسُ) أَيْ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ (مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ) وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِالْمِكْيَالِ الشَّرْعِيِّ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْعَادِيِّ،
وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: مِمَّا يُدَّخَرُ إلَى آخِرِهِ أَنَّ عِلَّةَ رِبَا
ــ
[حاشية العدوي]
تَنْبِيهٌ:
بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُرَاطَلَةٌ وَمُبَادَلَةٌ وَصَرْفٌ، فَالْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَالْمُبَادَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا، وَالصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ، وَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الْجَمِيعِ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ بِعَدَمِهَا، وَلَوْ قَرِيبًا أَوْ غَلَبَةً، وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ فَتَجِبُ فِي الْمُرَاطَلَةِ وَفِي الْمُبَادَلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي النُّقُودِ، فَقِيلَ: غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ: مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَخْرُجُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّبَا وَيَدْخُلُهَا عَلَى الثَّانِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَمْنَعْ الرِّبَا فِيهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ بِهَا النَّاسُ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيُّ، وَحُمِلَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْفُلُوسِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلتَّوَسُّطِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ كَمَا قَالَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ.
[قَوْلُهُ: الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ] فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ الْحُبُوبِ ذَوَاتِ السَّنَابِلِ وَهِيَ الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ وَذَوَاتِ الْأَغْلَافِ وَهِيَ الذُّرَةُ، وَالدَّخَنُ، وَالْأُرْزُ اهـ.
وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَطْنِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُبُوبِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَهَا فِي التَّحْقِيقِ ذَاتَ الْمَزَاوِدِ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْقَافِ] أَيْ أَوْ ضَمِّهَا وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ، وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا وَتُجْمَعُ عَلَى قَطَانِيٍّ. [قَوْلُهُ: وَالْبَسِيلَةُ] هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ بِالْبَسِيلَةِ. [قَوْلُهُ:، وَالْكِرْسِنَّةُ] بِكَسْرِ الْكَافِّ وَتَشْدِيدِ النُّونِ.
قَالَ تت: قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ وَفِي لَوْنِهَا حُمْرَةٌ. الْبَاجِيُّ: هِيَ الْبِسِلَّةُ. وَتَرَكَ الشَّارِحُ مِنْ الْقَطَانِيِّ ثَلَاثَةً التُّرْمُسَ، وَاللُّوبِيَا، وَالْعَدَسَ
فَالْقَطَانِيُّ ثَمَانِيَةٌ بِزِيَادَةِ الْكِرْسِنَّةِ عَلَى أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ، وَسُمِّيَتْ الْقُطْنِيَّةُ قُطْنِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ بِالْمَحَلِّ وَلَا تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ شَبَهِهَا أَيْ الْقُطْنِيَّةِ] جَعَلَ مَا ذَكَرَ مُشَبَّهًا لِلْقُطْنِيَّةِ دُونَ الْحُبُوبِ مَعَ أَنَّهُ يُشْبِهُ كُلًّا مِنْهُمَا أَيْ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَالِادِّخَارِ لَا فِي الصِّفَةِ أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلْقُوتِ الْمُشَبَّهِ فَقَوْلُهُ: كَاللَّحْمِ، وَالسَّمْنِ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ، وَإِلَّا فَهُوَ شَامِلٌ لِلْحَبِّ، وَالْقَطَانِيِّ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالزَّيْتَ. [قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ، وَالْبَصَلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَهُ مُصْلِحًا يُنَافِي كَوْنَهُ أُدْمًا. [قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ] أَيْ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. [قَوْلُهُ: بِالْمِكْيَالِ الشَّرْعِيِّ إنْ وُجِدَ] أَيْ وَاعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الرِّبَوِيِّ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الرِّبَا، فَلَا يُبَاعُ قَمْحٌ مِثْلًا بِمِثْلِهِ وَزْنًا وَلَا نَقْدٌ بِمِثْلِهِ كَيْلًا، وَالْمُرَادُ بِالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ الشَّرْعِيَّيْنِ مَا وَضَعَهُمَا السُّلْطَانُ كَذَا ذَكَرُوا أَيْ فَمَا اعْتَبَرَهُ السُّلْطَانُ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ عُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، فَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوا.
وَلَوْ خَالَفَ وَضْعُ السُّلْطَانِ وَضْعَ مَنْ قَبْلَهُ كَأَنْ يَكُونَ وَضَعَ مَنْ قَبْلَهُ الْكَيْلَ فِي الْقَمْحِ وَوَضَعَ هُوَ الْوَزْنَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ الشَّارِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِعْيَارٌ مُعَيَّنٌ فَبِالْعَادَةِ الْعَامَّةِ كَاللَّحْمِ، وَالْجُبْنِ فِي كُلِّ بَلَدٍ أَوْ الْخَاصَّةِ كَالْأُرْزِ الْمُخْتَلِفِ الْعَادَةِ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، فَلَا يَخْرُجُ فِي بَلَدٍ عَمَّا اعْتَادَتْهُ، وَلَوْ اُعْتِيدَ بِوَجْهَيْنِ اُعْتُبِرَ بِأَيِّهِمَا إنْ تَسَاوَيَا وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَوْزُونَيْنِ وَلَا مَكِيلَيْنِ كَالْبَيْضِ فَبِالتَّحَرِّي، وَإِنْ اقْتَضَى مُسَاوَاةَ بَيْضَةِ بِبَيْضَتَيْنِ فَإِنْ عَسِرَ الْوَزْنُ فِيمَا اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ عَنْ الشَّارِعِ وَزْنًا لِكَوْنِهِ فِي سَفَرٍ أَوْ بَادِيَةٍ جَازَ التَّحَرِّي إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ تَحَرِّيهِ لِكَثْرَتِهِ جِدًّا، وَأَمَّا الْكَيْلُ، وَالْعَدَدُ فَلَا يَعْسُرَانِ إذْ يَجُوزُ الْكَيْلُ بِغَيْرِ الْمَعْهُودِ كَذَا فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ.
[قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] فِيهِ بَحْثٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِنَوْعٍ مِنْ الرِّبَوِيِّ فَلَا يَكُونُ إشَارَةً لِعِلَّةٍ عَامَّةٍ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ