للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ.

الثَّانِي: فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَوَّلُهَا: الْوَاهِبُ وَهُوَ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْهِبَةُ.

ثَانِيهَا: الْمَوْهُوبُ لَهُ وَهُوَ مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ الْهِبَةَ وَلَوْ لَمْ يَدُمْ.

ثَالِثُهَا: الْمَوْهُوبُ وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ لَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.

رَابِعُهَا: الصِّيغَةُ كَوَهَبْتُكَ وَأَعْطَيْتُك.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي شَرْطِهَا وَهُوَ الْحَوْزُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي التَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَتِمُّ إلَخْ.

وَلَمْ يَقُلْ وَلَا تَصِحُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَوْزِ إذْنُ الْوَاهِبِ بَلْ لَوْ وَجَدَهَا سَائِبَةً فَأَخَذَهَا فَهُوَ حَوْزٌ وَفَائِدَةُ تَمَامِهَا بِالْحَوْزِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ حِيَازَتِهَا بَطَلَتْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ مَاتَ) الْوَاهِبُ (قَبْلَ أَنْ تُحَازَ عَنْهُ فَهِيَ مِيرَاثٌ) يَرِثُهُ الْوَرَثَةُ وَتَبْطُلُ لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ جَادًّا فِي الطَّلَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونَ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا طَلَبَ الْهِبَةَ مِنْ الْوَاهِبِ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ فَجَدَّ فِي تَحْصِيلِ الْقَبْضِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ

ــ

[حاشية العدوي]

الْأَجْرِ [قَوْلُهُ: فَلُوَّهُ] بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْرُ حِينَ يُفْطَمُ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى تَرْبِيَةِ غَيْرِ الْأُمِّ وَجَمْعُهُ أَفْلَاءُ كَعَدُوٍّ وَأَعْدَاءٍ. وَفِي رِوَايَةٍ فَلْوَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْأُنْثَى فَلُوَّةٌ بِالْهَاءِ.

وَقَوْلُهُ: حَتَّى تَكُونَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ حَتَّى تَكُونَ التَّمْرَةُ.

وَقَوْلُهُ: مِثْلُ الْجَبَلِ أَيْ فَتَثْقُلُ فِي مِيزَاتِهِ أَوْ الْمُرَادُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ.

[قَوْلُهُ: فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَهِيَ إلَخْ] حَيْثُ قَالَ: فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا فَكَيْفَ يَقُولُ الْهِبَةُ فَقَطْ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهَا حَيْثُ قَالَ: الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي شَرْطِهَا إنْ قُرِئَ مَا يَأْتِي بِالْإِفْرَادِ وَإِنْ قُرِئَ بِالتَّثْنِيَةِ صَحَّ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِالْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهَا شَرْطًا فِيهِمَا وَفِي الْحَبْسِ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَمَّا هُنَا بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْهِبَةِ وَتَكُونُ الصَّدَقَةُ مِثْلَهَا لِقَوْلِهِ: فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا وَحِينَئِذٍ فَمَا وَجْهُ جَعْلِ الْهِبَةِ أَصْلًا فِي الْكَلَامِ وَيَجْعَلُ الصَّدَقَةَ مِثْلَهَا.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ] أَيْ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَهَبَهُ.

[قَوْلُهُ: فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ] أَمَّا هِبَةُ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُرْتَدِّ فَبَاطِلَةٌ، وَأَمَّا هِبَةُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ فَصَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ وَالْوَرَثَةِ كَهِبَةِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَصَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْغَرِيمِ.

[قَوْلُهُ: مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ الْهِبَةَ] وَلَوْ لَمْ يَدُمْ احْتِرَازًا عَنْ حِمَارٍ وَجَمَلٍ، وَبِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يَدُمْ دَخَلَ عَطِيَّةُ الرَّقِيقِ لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ حَيْثُ عَلِمَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ أَوْ قَبِلَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ.

[قَوْلُهُ: يَقْبَلُ النَّقْلَ] أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَيَشْمَلُ كَلْبَ الصَّيْدِ وَجِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَكْرَارِ الْمِثَالِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْلِ نَقْلُ الْمِلْكِ لَا نَقْلُ الذَّاتِ فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ] أَيْ وَالشُّفْعَةُ وَرَقَبَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْحَبْسِ فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ كَالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِمَا شَيْءٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِهِبَةِ مَا ذَكَرَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: الصِّيغَةُ كَوَهَبْتُكَ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَفْظًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَقُولُ: كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُعْطَى لَهُ وَلَوْ فِعْلًا كَدَفْعِ دِينَارٍ لِفَقِيرٍ وَكَتَحْلِيَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ شَرْطٌ فِي التَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ] عَطْفُ الِاسْتِقْرَارِ تَفْسِيرٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ رَفْعُ تَصَرُّفِ الْمُعْطِي فِي الْعَطِيَّةِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَوْ نَائِبِهِ، وَقُلْنَا فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ احْتِرَازًا عَنْ عَطِيَّةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ عَلَى يَتِيمٍ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي فَتَصِحُّ الْعَطِيَّةُ لِهَؤُلَاءِ وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ الْمُعْطِي إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَلَوْ لَمْ يَصْرِفْ الْغَلَّةَ لَهُ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا أَحْضَرَهَا لَهُمْ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ وَكَانَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ] الْمُنَاسِبُ تَرْجِيعُ الضَّمِيرِ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ وَهُوَ الْمُتَبَرِّعُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ لَا خُصُوصِ الْوَاهِبِ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ فَتَدَبَّرْ. وَمِثْلُ الْمَوْتِ إحَاطَةُ الدُّيُونِ بِمَالِهِ أَوْ جُنُونُهُ أَوْ مَرَضُهُ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>