الْوَاهِبُ فَإِنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ، وَكَذَلِكَ إذَا جَحَدَ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ وَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَيِّنَةً وَسَعَى فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْهِبَةِ فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَذَلِكَ نَافِدٌ مِنْ الثُّلُثِ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ.
ع: مَعْنَاهُ إذَا وَهَبَ شَيْئًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ حَبَسَهُ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَقْسِيمِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا: مَا قُيِّدَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ وَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْهِبَةُ لِصِلَةِ الرَّحِمِ) وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ أَنْ لَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ لِيَتِيمٍ (أَوْ لِفَقِيرٍ) حُكْمُهَا (كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ) لَهُ (فِيهَا) أَمَّا مَنْعُهُ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِلْفَقِيرِ فَإِنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْهِبَةُ لِلرَّحِمِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَكَلَامُهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهَا
أَحَدُهَا: يَرْجِعُ فِيهَا مُطْلَقًا.
ثَانِيهَا: تَرْجِعُ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ.
ثَالِثُهَا: لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ مِثْلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِجَارِيَتِهِ فَتَتْبَعُهَا نَفْسُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ إلَى هَذَا بِأَنْ يُقَالَ يُرِيدُ الْأَمْنَ ضَرُورَةً.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يُرَادُ بِهِ الْمَوَدَّةُ وَالْمَحَبَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاعْتِصَارُ ارْتِجَاعُ
ــ
[حاشية العدوي]
حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ] أَيْ أَوْ فُلِّسَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ [قَوْلُهُ: فِي الْمَرَضِ] أَيْ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْهُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ كَانَتْ لِوَارِثٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ حَيْثُ كَانَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَا دَيْنٍ.
[قَوْلُهُ: فَذَلِكَ] أَيْ التَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْحَبْسِ فِي الْمَرَضِ.
[قَوْلُهُ: نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ] لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ] أَيْ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ [قَوْلُهُ: غَيْرُ جَائِزَةٍ] أَيْ غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ كَانَ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: مَا قُيِّدَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ] أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ عَرَضُهَا الْمَعْلُومُ.
[قَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ لِصِلَةِ إلَخْ] أَيْ الْهِبَةُ لِلرَّحِمِ لِأَجْلِ صِلَتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ إلَخْ] وَلَوْ غَنِيًّا.
[قَوْلُهُ: أَوْ لِيَتِيمٍ] أَيْ مِنْ حَيْثُ يُتْمُهُ.
وَقَوْلُهُ: لِفَقِيرٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ فَقْرُهُ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ لِأَجْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِأَجْلِ فَقْرِهِ أَوْ لِأَجْلِ يُتْمِهِ كَمَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأُمِّ كَالصَّدَقَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِصَارُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عَوْدَ الْهِبَةِ لِمَا ذُكِرَ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ كَالصَّدَقَةِ فَلَا يُقْصَرُ الرَّحِمُ وَالْفَقِيرُ وَالْيَتِيمُ عَلَى خُصُوصِ الْوَلَدِ، بَلْ وَلَا يُقْصَرُ الْحُكْمُ عَلَى خُصُوصِ الرَّحِمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ بَلْ مُطْلَقُ قَرِيبٍ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَدَقَةٌ.
وَلَوْ صَرَّحَ فِيهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِقَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَدُهُمَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْعُهُ إلَخْ] يُرَادُ بِالْمَنْعِ الْحُرْمَةُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الثَّانِي.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا] الْأُولَى فَإِنَّهُمَا أَيْ الصَّدَقَةُ أَيْ الَّتِي هِيَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَالْهِبَةُ الَّتِي هِيَ الْمُشَبَّهُ.
وَقَوْلُهُ: وَابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالثَّوَابِ الثَّوَابُ الْأُخْرَوِيُّ.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَدَمَ طَلَبِهِ الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ طَلَبُهُ الثَّوَابَ الْأُخْرَوِيَّ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.
الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي وَهُوَ مَرْتَبَةُ الْكُمَّلِ الَّذِينَ لَا يَقْصِدُونَ بِأَعْمَالِهِمْ إلَّا اللَّهَ فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا الثَّوَابَ الْأُخْرَوِيَّ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ لِلرَّحِمِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ هَذَا لَا يَتِمُّ مَعَ تَصْدِيرِهِ بِقَوْلِهِ: أَحَدُهَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا.
وَقَوْلُهُ: هُنَا عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ أَيْ عَلَى طَرِيقٍ هِيَ الثَّوَابُ حَقِيقَةً، وَسَكَتَ عَنْ الْيَتِيمِ فَنَقُولُ: إنَّ الْهِبَةَ لَهُ مِنْ حَيْثُ يُتْمُهُ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ.
[قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الظَّاهِرِ] أَيْ وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّأْوِيلِ فَيُوَافِقُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: يُرِيدُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا] وَيَسْتَقْصِي فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِلْوَلَدِ وَيُشْهِدُ بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ لَا بِالِاعْتِصَارِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَحَبَّةُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَلَهُ] أَيْ لِلْأَبِ دِنْيَةً لِإِخْرَاجِ الْجَدِّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ