للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُعْطِي عَطِيَّتَهُ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى، وَاحْتُرِزَ بِالْهِبَةِ عَنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهَا كَمَا قَدَّمْنَا لَا تُعْتَصَرُ وَقَيَّدَ اعْتِصَارَ الْأَبِ مِنْ الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ يُنْكَحْ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْهِبَةِ (أَوْ يُدَايَنُ) لَهَا (أَوْ يُحْدِثُ فِي الْهِبَةِ حَدَثًا) مِثْلُ أَنْ يَهَبَهُ حَدِيدًا فَيَصْنَعُهُ آنِيَةً (وَ) أَمَّا (الْأُمُّ) فَإِنَّهَا لَا (تُعْتَصَرُ) إلَّا (مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ لَمْ تُعْتَصَرْ) فَقَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ) تَكْرَارٌ، وَيُسَمَّى يَتِيمًا مَا لَمْ يَبْلُغْ، فَإِذَا بَلَغَ لَمْ يُسَمَّ يَتِيمًا ثُمَّ بَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي يَكُونُ الْوَلَدُ بِهَا يَتِيمًا فَقَالَ: (وَالْيَتِيمُ) فِي الْعُقَلَاءِ (مِنْ قِبَلِ الْأَبِ) وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمْ فَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حِيَازَةِ الْأَبِ لِلِابْنِ فَقَالَ: (وَمَا) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي (وَهَبَهُ) الْأَبُ (لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَحِيَازَتُهُ لَهُ

ــ

[حاشية العدوي]

يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ.

[قَوْلُهُ: مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ] أَيْ لَا لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَلَا لِفَقْرِهِ وَلَا لِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ بَلْ وَهَبَهُ لِوَجْهِهِ، وَالْحَبْسُ كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الصَّدَقَةِ الْحَبْسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا حِيزَتْ الْهِبَةُ أَوْ لَا.

[قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ اعْتِصَارَ الْأَبِ مِنْ الْكَبِيرِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنْكَحْ أَوْ يُدَايَنْ إلَخْ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَصْدِ الْمُنْكِحِ أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ الَّذِي دَايَنَهُ، وَأَمَّا قَصْدُهُ هُوَ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْمَوَّاقُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكْفِي قَصْدُ الِابْنِ، فَلَوْ قَصَدَ ذَاتَهُ بِالْإِنْكَارِ أَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً لَا يُنْكَحُ وَلَا يُدَايَنُ الشَّخْصُ لِأَجْلِهَا فَلَا يُفَوِّتَانِ الِاعْتِصَارَ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِنْكَاحِ الْعَقْدُ دَخَلَ أَوْ لَا بَقِيَ نِكَاحُهُ أَوْ زَالَ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ.

[قَوْلُهُ: أَوْ يُحْدِثُ فِي الْهِبَةِ حَدَثًا] أَيْ حَادِثًا يُنْقِصُهَا فِي ذَاتِهَا أَوْ يَزِيدُهَا فَإِنَّهَا تَفُوتُ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ اعْتِصَارُهَا إلَّا أَنْ يَزُولَ النَّقْصُ أَوْ يَرْجِعَ الزَّائِدُ فَإِنَّهُ يَعُودُ الِاعْتِصَارُ، وَلَا فَرْقَ فِي النَّقْصِ بَيْنَ الْحِسِّيِّ كَهُزَالِ الْحَيَوَانِ الَّذِي كَانَ سَمِينًا وَالْمَعْنَوِيِّ كَنِسْيَانِ الْعَبْدِ صَنْعَةً، وَكَذَا تَفُوتُ الْهِبَةُ الْمِثْلِيَّةُ بِخَلْطِهَا بِمِثْلِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأُمُّ] أَيْ دِنْيَةً [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُعْتَصَرُ] أَيْ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا.

[قَوْلُهُ: مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا] أَيْ وَلَوْ مَجْنُونًا زَمَنَ الْهِبَةِ جُنُونًا مُطْبِقًا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَصَدَتْ بِهِبَتِهَا صِلَةَ رَحِمٍ أَوْ ثَوَابَ آخِرَةٍ أَوْ لِفَقْرِهِ فَلَا تُعْتَصَرُ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ حِينَ الْهِبَةِ لَا أَبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَهَا لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَيُعَدُّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ وَلَوْ بَلَغَ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ لِكَبِيرٍ أَيْ بَالِغٍ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ الصَّغِيرَ ذَا الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ صَغِيرًا فَفِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَمُقَابِلُهُ اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَبٌ حِينَ الْهِبَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ.

[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أَيْ مَعَ قَوْلِهِ.

فَإِذَا مَاتَ لَمْ تُعْتَصَرْ وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَكْرَارَ بِأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ حَدَثَتْ الْهِبَةُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ ثُمَّ يَتِمَ، وَأَمَّا هَذِهِ فَالْهِبَةُ فِي حَالَةِ الْيُتْمِ بِالْفِعْلِ، وَادَّعَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ لِأَنَّهُ كَالْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ كَأَنَّهُ قَالَ: إذْ لَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمْ] أَطْلَقَ فِي الْعِبَارَةِ وَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت وَنَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْيَتِيمُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ هَذَا فِي الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا فِي الْحَيَوَانِ فَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَمِنْ الطَّيْرِ مِنْ قَبْلِهِمَا مَعًا اهـ.

[قَوْلُهُ: وَمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ] عَبَّرَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِمَحْجُورِهِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوهٍ لِشُمُولِهِ لِلسَّفِيهِ وَغَيْرِ الْوَلَدِ وَعَدَمِ شُمُولِهِ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ إذْ هُوَ مَحْجُورُ السَّيِّدِ لَا مَحْجُورُ الْأَبِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ أَيْ الْإِشْهَادُ بِأَنَّهُ وَهَبَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ عَلَى الْإِشْهَادِ بِالْحِيَازَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ صَرْفُ غَلَّةِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ لِمَنْ وَهَبَهُ لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغُبْرِينِيُّ وَالرَّصَّاعُ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَوَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ الْحِيَازَةَ هُنَا تَصِحُّ وَلَوْ صَرَفَ الْوَلِيُّ الْغَلَّةَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَهُنَا شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْوَلِيُّ مِنْ الْغَلَّةِ وَصَرَفَهُ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ هَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ الْمَحْجُورُ مُطْلَقًا أَوْ يُقَالُ: إنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِصَارِ وَكَانَ أَصْلُهُ مِمَّا يُعْتَصَرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِهِ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>