للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَائِزَةٌ) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَسْكُنْ) الْأَبُ (ذَلِكَ) الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ دَارًا (أَوْ يَلْبَسْهُ إنْ كَانَ ثَوْبًا) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَالْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: وَهَبْتُك الدَّارَ الَّتِي صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَلَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ وَهَبْتُك دَارًا مِنْ دُورِي.

ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لِلصَّغِيرِ إلَّا وَالِدُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ تَحُوزُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الصَّغِيرِ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَأَمَّا) الِابْنُ (الْكَبِيرُ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهُ) أَيْ حِيَازَةِ الْأَبِ (لَهُ) هَذَا إذَا كَانَ رَشِيدًا، فَإِنْ حَازَ لَهُ لَمْ تَصِحَّ حِيَازَتُهُ لَهُ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَتَجُوزُ حِيَازَتُهُ لَهُ

وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ) يُرِيدُ أَوْ غَيْرُهُ (فِي صَدَقَتِهِ) مَفْهُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّهْيَ عِنْدَ ذَلِكَ لِلنَّدَبِ (وَلَا تَرْجِعُ) الصَّدَقَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُتَصَدِّقِ بَعْدَ الْحَوْزِ مُطْلَقًا أَعْنِي كَانَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ (إلَّا) إذَا كَانَتْ (بِالْمِيرَاثِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهَا بِهِ إذْ لَا تَسَبُّبَ مِنْهُ فِي رُجُوعِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُجُوعُهَا إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ رُخِّصَ فِي شِرَائِهَا لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الِابْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

تَنْبِيهٌ: ق: أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ لِسَائِلٍ صَدَقَةً فَوَجَدَهُ قَدْ ذَهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ

ــ

[حاشية العدوي]

وَقَدْ ذَكَرَ شَارِحُ الْحُدُودِ فِيمَا إذَا بَاعَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ هَلْ يَكُونُ اعْتِصَارًا أَمْ لَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِشَرْطَيْنِ، أَيْ وَبَقِيَ ثَالِثٌ وَهُوَ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْهِبَةِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ بِالْحِيَازَةِ لَهُ.

وَقَوْلُهُ: الَّذِي وَهَبَهُ الْأَبُ أَيْ الرَّشِيدُ.

[قَوْلُهُ: فَحِيَازَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ] أَيْ مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ عِنْدَ الْأَبِ إلَى أَنْ فُلِّسَ أَوْ مَاتَ

[قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَسْكُنْ إلَخْ] وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ دَارَ سُكْنَاهُ وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا لِجَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ اسْتَمَرَّ لَابِسًا لِمَا وَهَبَهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَأَمَّا إنْ سَكَنَ الْأَقَلَّ وَأَكْرَى الْأَكْثَرَ فَلَا بُطْلَانَ، وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ دَارَ سُكْنَاهُ لِكِبَارِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا سَكَنَهُ فَقَطْ وَيَصِحُّ مَا حَازَهُ الْوَلَدُ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ.

[قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ وَهَبْتُك دَارًا مِنْ دُورِي] إنَّمَا قَالَ مِثْلَ لَيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَا وَهَبَ لَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَحَازَهَا حَتَّى حَصَلَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ فَلَسٍ بَطَلَتْ الْهِبَةُ.

وَلَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ شُهُودِهَا بِخِلَافِ لَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا وَوَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ فَلَا تَبْطُلُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لِلصَّغِيرِ إلَّا وَالِدُهُ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَحُوزُ لَهُ الْأَخُ الْكَبِيرُ إذَا وَهَبَهُ شَيْئًا [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأُمُّ تَحُوزُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً] أَيْ لِلْأَبِ أَوْ وَصِيَّةَ وَصِيِّهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً فَلَا تَصِحُّ حِيَازَتُهَا مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ.

وَلَوْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلَدِ الذَّكَرِ الْحُرِّ، وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ فَيَحُوزُ لَهُ سَيِّدُهُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا وَمَا وَهَبَهُ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَيَحُوزُ لَهَا وَلَوْ بَلَغَتْ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَوْ تَبَيَّنَ مِنْهَا الرُّشْدَ

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِابْنُ الْكَبِيرُ] أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ شَيْئًا وَاسْتَمَرَّ حَائِزًا لَهُ حَتَّى بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْهُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَأَمَّا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ حَائِزًا لَهُ.

وَاخْتُلِفَ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَجُهِلَ حَالُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتَمَرَّ أَبُوهُ حَائِزًا حَتَّى مَاتَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى السَّفَهِ فَلَا تَبْطُلُ أَوْ عَلَى الرُّشْدِ فَتَبْطُلُ قَوْلَانِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ] قَالَ تت: وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ، فَفِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: فِي صَدَقَتِهِ] وَأَمَّا الْهِبَةُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى لَهُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلنَّدَبِ] أَيْ لِأَجْلِهِ وَلَوْ قَالَ لِلْكَرَاهَةِ لَكَانَ حَسَنًا.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الِابْنِ] وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ عَمَّرَ شَخْصًا دَارِهِ فَيَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا وَمَنْ سَبَّلَ مَاءً عَلَى غَيْرِهِ يَجُوزُ لَهُ الشُّرْبُ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>