للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ السَّائِلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا.

(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ) الْمُتَصَدِّقُ (مِنْ لَبَنِ مَا) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي (تَصَدَّقَ بِهِ) كَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ (وَ) كَذَا (لَا يَشْتَرِي) الْمُتَصَدِّقُ (مَا) أَيْ الشَّيْءَ الَّذِي (تَصَدَّقَ بِهِ) لَا مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ يُفْسَخُ وَقِيلَ يَمْضِي مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْهِبَةِ وَهُوَ مَا قُيِّدَ بِثَوَابٍ فَقَالَ: (وَالْمَوْهُوبُ) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي وَهَبَ لَهُ (لِ) أَجْلِ أَخْذٍ (لِعِوَضٍ) مِنْهُ (إمَّا أَثَابَ) أَيْ عَاوَضَ (الْقِيمَةَ أَوْ رَدَّ الْهِبَةَ) ق: تَعَرَّضَ هُنَا لِهِبَةِ الثَّوَابِ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهِ وَهِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِعُضْوٍ مَجْهُولٍ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ، وَأَثَابَ فِعْلٌ وَالْقِيمَةُ مَفْعُولٌ وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إمَّا عَاوَضَ الْقِيمَةَ عَنْ عَيْنِ الْهِبَةِ أَوْ رَدَّهَا يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَذَلِكَ) أَيْ الْإِثَابَةُ بِالْقِيمَةِ أَوْ رَدُّ الْهِبَةِ (إذَا كَانَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ هَذَا: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا.

[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ هُنَا إلَخْ] أَيْ فَالشُّرْبُ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ] أَيْ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِلْمُصَنِّفِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُعَارَضَةَ كَمَا أَفَادَهُ عج بِأَنْ يُقَالَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي لَبَنٍ لَا سَمْنَ لَهُ، وَكَلَامُهَا فِي لَبَنٍ لَهُ سَمْنٌ وَوَفَّقَ بِتَوْفِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَكَانَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَشْتَرِي إلَخْ] مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَخْ [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ] أَيْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

[قَوْلُهُ: مَا قُيِّدَ بِثَوَابٍ] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.

الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ كَمَا إذَا قَالَ: أَعْطَيْتُك هَذَا لِتُثِيبَنِيَ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فِيمَا سَيَأْتِي يُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ عَاوَضَ] أَيْ دَفَعَ الْقِيمَةَ عِوَضًا أَيْ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرٌ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ كَمَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَتِهِ حَيْثُ لَمْ تَفُتْ الْهِبَةُ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقِيمَةَ، وَإِذَا أَتَى بِالْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ الْوَاهِبَ أَخْذُهَا وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِيهَا وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْمَوْهُوبُ مِمَّا يُعَوِّضُ عَنْهَا قِيمَتَهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَأَنَّهُ إذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ مَا فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ قِيمَتُهَا بِقَبْضِهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِفَوْتِهَا عِنْدَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ شَرْطَ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَهُ أَوْ ذَكَرَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ.

وَأَمَّا إنْ ذَكَرَهُ وَعَيَّنَهُ وَرَضِيَ الْآخَرُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَسَوَاءٌ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ لَا وَلِوَاهِبِ الثَّوَابِ طَلَبُ الثَّوَابِ وَلَوْ مُعَجَّلًا وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ عُرْسٌ إلَّا لِعَادَةٍ، وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُحَاسِبَ الْوَاهِبَ بِمَا أَكَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عِنْدَ إحْضَارِ الْهِبَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَوْ جَرَتْ بِذَلِكَ عَادَةٌ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، وَهَلْ يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ عَلَى قِيمَةِ هِبَتِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ كُلٌّ بِالطَّلَاقِ عَلَى نَقِيضِ مَا أَرَادَ صَاحِبُهُ لَقُضِيَ بِتَحْنِيثِ الْوَاهِبِ لِأَنَّ هِبَةَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ قَوْلَانِ وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ رِبَا الْفَضْلِ وَإِلَّا امْتَنَعَ [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُعَاطَاةِ.

وَقَوْلُهُ: وَهِيَ عَقْدٌ هَذَا تَعْرِيفٌ آخَرُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي سِلْكٍ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ آخَرُ كَأَنْ يَقُولَ أَوْ هِيَ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ إلَخْ] هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ لِمَا إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْهِبَةِ عَلَى ثَوَابٍ مُعَيَّنٍ.

[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ] أَيْ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ.

هِبَةُ الثَّوَابِ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ اهـ.

أَيْ الْجَوَازُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مَا عَدَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ خُصَّ بِأَنْ لَا يَهَبَ لِلثَّوَابِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوهَبَ لَهُ لِيُثِيبَ قَالَهُ تت.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَتْ] أَيْ لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا] أَيْ يَوْمَ الْقَبْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>