للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَيْنِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَبِضَمِّهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ الْغُسْلُ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.

قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] .

وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِهِمَا.

وَلِوُجُوبِهِمَا شُرُوطٌ، الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ، وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ سَاهٍ وَلَا نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ، وَوُجُودُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَإِمْكَانُ الْفِعْلِ احْتِرَازًا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَشَبَهِهِ.

ــ

[حاشية العدوي]

[قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ] أَيْ تَرَدُّدٌ وَهَذَا الْكَلَامُ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، ثُمَّ رَجَّحَ الثَّالِثَ بِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ كَذَا فِي تت وَالتَّحْقِيقُ وَمُقْتَضَى التَّرْجِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرَدُّدِ الْخِلَافُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: فِيهِ خِلَافٌ، وَكَتَبَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ إلَخْ] نَفَى الْعِلْمَ تَحَرِّيًا لِلْمُصَدِّقِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ.

[قَوْلُهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ] هَذَا مُقَابِلٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَسَكَتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْكَسْرِ فَنُبَيِّنُهُ فَنَقُولُ: وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ مَا يُغْسَلُ بِهِ كَالْخَطْمِيِّ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، نَبْتٌ بِالْعِرَاقِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ يَعْمَلُ عَمَلَ الصَّابُونِ.

قَالَهُ فِي النَّهْرِ شَارِحُ الْكَنْزِ وَفِي الْمِصْبَاحِ مُشَدَّدُ الْيَاءِ. [قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٦] إلَخْ] دَلِيلٌ عَلَيْهِمَا مَعًا [قَوْلُهُ: وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: ٤٣] إلَخْ] دَلِيلٌ أَيْضًا لَهُمَا مَعًا، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ بِالْمَفْهُومِ أَيْ مَفْهُومِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إذَا وَجَدُوا مَاءً فَلَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: {حَتَّى تَعْلَمُوا} [النساء: ٤٣] إلَخْ] كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ حِلُّ الْخَمْرِ [قَوْلُهُ: {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣]] أَيْ مُسَافِرِينَ فَاقْرَبُوهَا بِالتَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ.

[قَوْلُهُ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَخْ] وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا مِنْ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل، وَنَذْكُرُهُ فَنَقُولُ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» كَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ. [قَوْلُهُ: وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ] ، أَيْ وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَلَهُ لَفْظٌ آخَرُ، وَهُوَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِهِمَا] فَمَنْ جَحَدَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِنَفْسِهِ اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغُسْلَ كَذَلِكَ

قَوْلُهُ: وَلِوُجُوبِهِمَا شُرُوطٌ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: الْإِسْلَامُ] هُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا شَرْطُ وُجُوبٍ كَمَا أَرَادَ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ اثْنَانِ عَدَمُ الْمُنَافِي، وَأَلَّا يَكُونَ عَلَى الْأَعْضَاءِ حَائِلٌ.

[قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ وَارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ [قَوْلُهُ: وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ] شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ] شَرْطٌ فِيهِمَا [قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ سَاهٍ وَلَا نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ] شَرْطٌ فِيهِمَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَضُمَّ الْغَفْلَةَ لِلسَّهْوِ فَيَقُولَ: وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ وَلَا سَاهٍ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سَهَا عَنْهُ يَسْهُو سَهْوًا غَفَلَ قَلْبُهُ حَتَّى زَالَ عَنْهُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ اهـ.

وَفَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي بِأَنَّ السَّاهِيَ قَدْ زَالَ الْمُدْرَكُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ مُدْرِكَتِهِ دُونَ حَافِظَتِهِ، وَالنَّاسِي عَنْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا.

[قَوْلُهُ: وَوُجُودُ مَا يَكْفِيهِ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ [قَوْلُهُ: وَإِمْكَانُ الْفِعْلِ إلَخْ] شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ لَصَحَّ وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ تَيَقُّنُ الْحَدَثِ أَوْ الشَّكُّ فِيهِ فَشُرُوطُ الْوُجُوبِ أَرْبَعَةٌ وَشُرُوطُ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ ذَكَرَهَا كُلَّهَا [قَوْلُهُ: وَشَبَهُهُ] أَيْ كَالْمَرِيضِ وَالْمُكْرَهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ مَا تُعَمَّرُ بِهِ الذِّمَّةُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُ وَشَرْطُ الصِّحَّةِ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>