للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُنْبِئُ عَنْ مَرْضَاتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَنْهِيَّاتِهِ، فَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَ الشُّكْرَيْنِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ.

(الَّذِي) اسْمٌ مَوْصُولٌ صِفَةٌ لِلَّهِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ. وَجُمْلَةُ (ابْتَدَأَ الْإِنْسَانُ بِنِعْمَتِهِ) صِلَتُهُ وَالِابْتِدَاءُ مَعْنَاهُ

ــ

[حاشية العدوي]

مِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ، وَأَعْطَى مَا ذُكِرَ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ.

وَيَجُوزُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّك تَقُولُ إلَى شَيْءٍ مِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَبْدَ وَأَعْطَى الْعَبْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُطَالَعَةِ الْمَصْنُوعَاتِ مَثَلًا كَمَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَخْ] أَيْ الْبَصَرِ. [قَوْلُهُ: إلَى مُطَالَعَةِ إلَخْ] أَيْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي مَصْنُوعَاتِهِ مِنْ دَقَائِقِ الصُّنْعِ الْعَجَبِ وَالْحِكْمَةِ الْأَنِيقَةِ.

[قَوْلُهُ: إلَى تَلَقِّي] أَيْ سَمَاعِ. [قَوْلُهُ: مَا يُنْبِئُ] أَيْ أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ وَإِخْبَارَاتٌ تُخْبِرُ عَنْ مَرْضَاتِهِ، وَفِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحٌ وَالْمُرَادُ تَدُلُّ عَلَى رِضَاءٍ أَيْ تَدُلُّ عَلَى فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ. [قَوْلُهُ: وَالِاجْتِنَابِ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَرْضَاتِهِ، أَيْ وَتَدُلُّ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يُرْضِيهِ الَّذِي هُوَ الْمَنَاهِي كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَدَّى الِاجْتِنَابَ بِعَنْ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ} [النساء: ٣١] إلَخْ، لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّجَاوُزِ أَيْ وَالتَّجَاوُزُ عَنْ مَنَاهِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعُ نَهْيٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ بِمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

[قَوْلُهُ: فَالنِّسْبَةُ إلَخْ] هَذَا التَّفْرِيعُ قَاصِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ حَمْدٌ لُغَوِيٌّ وَحَمْدٌ عُرْفِيٌّ وَشُكْرٌ لُغَوِيٌّ وَشُكْرٌ عُرْفِيٌّ، فَالْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ يُؤْخَذُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا بَعْدَهُ فَيَتَحَصَّلُ ثَلَاثُ نِسَبٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ الْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ مَعَ كُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ فَيَتَحَصَّلُ نِسْبَتَانِ، ثُمَّ يُؤْخَذُ الشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ مَعَ مَا بَعْدَهُ فَيَتَحَصَّلُ نِسْبَةٌ فَتَكُونُ جُمْلَةُ النِّسَبِ سِتَّةً.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّرْحُ نِسْبَتَيْنِ وَهُوَ أَنَّ بَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ عَنْ الْحَمْدِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ كَأَنْ يَحْمَدَهُ لِكَوْنِهِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قِرَاءَةً جَيِّدَةً، وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ الِاصْطِلَاحِيُّ فِي فِعْلِ جَارِحَةٍ أَوْ قَلْبٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَبَيْنَ الشُّكْرَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فَكُلُّ شُكْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ شُكْرٌ لُغَةً وَلَا عَكْسَ، فَإِذَا صَرَفَ جَارِحَةَ اللِّسَانِ فَقَطْ لِكَوْنِ الْمَوْلَى مُنْعِمًا فَهُوَ شُكْرٌ لُغَةً لَا اصْطِلَاحًا وَتَرَكَ أَرْبَعَةً وَنَقُولُ: بَيَانُهَا أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ الْعُرْفِيَّ وَهُوَ عَيْنُ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ، وَبَيْنَ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَالشُّكْرِ الِاصْطِلَاحِيِّ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ، فَكُلُّ شُكْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ حَمْدٌ لُغَوِيٌّ وَلَا عَكْسَ، بَيْنَ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ التَّرَادُفُ، وَبَيْنَ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَالشُّكْرِ الِاصْطِلَاحِيِّ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ، فَكُلُّ شُكْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ حَمْدٌ عُرْفِيٌّ وَلَيْسَ كُلُّ حَمْدٍ عُرْفِيٍّ شُكْرًا اصْطِلَاحِيًّا

[قَوْلُهُ: صِفَةُ اللَّهِ] أَيْ وَصْفٌ مُؤَكَّدٌ، فَإِنْ قُلْت: النَّعْتُ مُشْتَقٌّ وَالْمَوْصُولُ جَامِدٌ، قُلْت: النَّعْتُ إمَّا مُشْتَقٌّ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِهِ، وَالْمَوْصُولُ أَيْ مَعَ مَا بَعْدَهُ مُؤَوَّلٌ بِالْمُشْتَقِّ أَيْ الْمُبْتَدِئِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ بَدَلٌ] أَيْ بَدَلٌ مُطَابِقٌ، فَإِنْ قُلْت: الْمُبْدَلُ مِنْهُ عَلَى نِيَّةِ الطَّرْحِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْجَلَالَةِ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ مَعَ أَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ، قُلْت: مَعْنَى كَوْنِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ فِي الْأَخْبَارِ الْبَدَلُ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا مَا لَمْ يُفِدْهُ الْمُبْدَلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ أَقْوَى وَأَشْرَفَ مِنْ الْبَدَلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ مَدْلُولُهُ الذَّاتُ فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: بِنِعْمَتِهِ] الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ بَدْءًا مُلَابِسًا لِإِنْعَامِهِ مِنْ مُلَابَسَةِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ، إشَارَةً إلَى أَنْ ذَلِكَ الْبَدْءَ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا هُوَ إنْعَامٌ وَكَرَمٌ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ أَوْجَدَهُ بِسَبَبِ نِعْمَتِهِ، أَيْ تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِوُجُودِهِ بِسَبَبِ إرَادَةِ وُجُودِهِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ مِنْ الْمَوْلَى لَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالِابْتِدَاءُ مَعْنَاهُ الِاخْتِرَاعُ] أَيْ فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ابْتَدَأَ إلَخْ. اخْتَرَعَهُ أَيْ أَوْجَدَهُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ مِثَالٍ، أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ابْتَدَأَ بَدَأَ بِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ أَشْيَاءَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قُلْت: فِي الْقُرْآنِ بَدَأَ فَلِمَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ؟ قُلْنَا: لَيْسَ تَعَبُّدُنَا بِالْأَلْفَاظِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي، وَابْتَدَأَ وَبَدَأَ بِمَعْنًى.

<<  <  ج: ص:  >  >>