للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ (الْقُبْلَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى التَّقْبِيلِ (لِلَّذَّةِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُ اللَّذَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقُبْلَةَ عَلَى الْفَمِ تَنْقُضُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ غَالِبًا مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ كَقُبْلَةِ صَغِيرَةٍ عَلَى قَصْدِ الرَّحْمَةِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَلَى سَبِيلِ الْوَدَاعِ أَوْ الْمَوَدَّةِ، وَأَنَّ الْقُبْلَةَ عَلَى غَيْرِ الْفَمِ لَا تَنْقُضُ إلَّا بِقَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا.

وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ) أَيْ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ (مَسِّ الذَّكَرِ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» " وَأَمَّا حَدِيثُ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ» فَضَعِيفٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا، أَعْنِي مَسَّ ذَكَرِ نَفْسِهِ الْمُتَّصِلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَسَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا مَسَّ ذَكَرَ نَفْسِهِ الْمُتَّصِلَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا مَسُّهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا مِنْ الْكَمَرَةِ أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

الِالْتِقَاءُ مَسًّا، وَإِنْ كَانَ الِالْتِقَاءُ بِالْفَمِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ سُمِّيَ قُبْلَةً، وَإِذَا كَانَ بِالْجَسَدِ سُمِّيَ مُبَاشَرَةً، وَإِذَا كَانَ بِالْيَدِ سُمِّيَ لَمْسًا اهـ.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ أَنَّ الْمَسَّ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّمْسِ وَمِنْ الْقُبْلَةِ وَمِنْ الْمُبَاشَرَةِ قَالَهُ عج، وَأَقُولُ: وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مُبَايِنٌ لِغَيْرِهِ، وَلِذَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ بِخُصُوصِ الْيَدِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِالْجَسَدِ اهـ.

أَيْ مَا عَدَا الْيَدَ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّقْبِيلِ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْقُبْلَةُ عَلَى فَمِ مَنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً فَلَا نَقْضَ بِتَقْبِيلِ فَمِ صَغِيرَةٍ لَا يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً، وَلَوْ قَصَدَ وَوَجَدَ وَكَذَا لَا نَقْضَ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ كَثِيفٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْفَمِ] وَأَوْلَى النَّقْضُ بِالتَّقْبِيلِ عَلَى فَرْجِ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ نَصَّتْ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْفَرْجِ أَوْ مَسَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَأَمَّا التَّقْبِيلُ عَلَى الْخَدِّ فَيَجْرِي عَلَى الْمُلَامَسَةِ [قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُ اللَّذَّةِ] الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ اللَّذَّةُ وَهَذَا صَادِقٌ بِالْقَصْدِ أَوْ الْوِجْدَانِ وَأَوْلَى الْأَمْرَانِ مَعًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ [قَوْلُهُ: تَنْقُضُ مُطْلَقًا] قَصَدَ وَوَجَدَ أَمْ لَا، وَلَا يُشْتَرَطُ طَوْعٌ وَلَا عِلْمٌ.

فَمَنْ قُبِّلَتْ مُكْرَهَةً أَوْ غَافِلَةً فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَكَذَا لَوْ قُبِّلَ غَافِلًا أَوْ مُكْرَهًا. [قَوْلُهُ: غَالِبًا] لَا حَاجَةَ لَهُ مَعَ التَّعْبِيرِ بِالْمَظِنَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ دَائِمَةٌ، وَالْغَلَبَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْوُجُودِ بِالْفِعْلِ فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ. [قَوْلُهُ: لِلَّذَّةِ] مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِهِ صَارِفَةً وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ أَيْ صَارِفَةً اللَّذَّةَ [قَوْلُهُ: كَقُبْلَةِ صَغِيرَةٍ] أَيْ صَغِيرَةٍ يُلْتَذُّ بِهَا وَكَذَا الْكَبِيرَةُ وَخَصَّ الصَّغِيرَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا أَنْ تُرْحَمَ.

[قَوْلُهُ: أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَلَى سَبِيلِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَالْأَجْنَبِيَّةُ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ التَّابِعِ لَهُ الشَّارِحُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ النَّقْضِ فِي قَصْدِ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْتِذَاذٌ [قَوْلُهُ: أَوْ الْمَوَدَّةِ] أَيْ الْمَحَبَّةِ، وَهُوَ يَرْجِعُ لِلرَّحْمَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ، وَأَفَادَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى خَلِيلٍ النَّقْضَ بِتَقْبِيلِ الْأَمْرَدِ أَوْ ذِي اللِّحْيَةِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُلْتَذَّ بِهِ لَا إنْ كَانَ شَأْنُهُ عَدَمَ الِالْتِذَاذِ بِهِ فَلَا نَقْضَ.

قَالَ ح: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ لِمِثْلِهَا وَالظَّاهِرُ النَّقْضُ اهـ. فَيَكُونُ تَقْبِيلُهَا أَوْلَى إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ الْمُقَبَّلَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً.

[قَوْلُهُ: إلَّا بِقَصْدِ اللَّذَّةِ] أَيْ مَعَ قَصْدِهَا أَوْ وُجُودِهَا

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وَاَلَّذِي رَجَعَ عَنْهُ عَدَمُ النَّقْضِ بِمَسِّهِ لِلْحَدِيثِ الْآتِي [قَوْلُهُ: «إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» ] بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، زَادَ الْعَلْقَمِيُّ وَقَدْ تُضَمُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ طَلْقٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْهُ» [قَوْلُهُ: مُتَكَلَّمٌ فِيهِ] أَيْ فَقَدْ قَالُوا طَلْقٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ فَيَسْقُطُ حَدِيثُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا مُقَابِلًا بِأَنَّهُ إذَا لَمَسَ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَنْقُضُ كَمَسِّهِ ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْقَوْلَ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الدَّفَرِيَّ الْمَالِكِيَّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ حَكَى عَدَمَ الْخِلَافِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ ذَكَرِ الْغَيْرِ، أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَوْ يَجِدْ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ [قَوْلُهُ: الْمُتَّصِلَ] اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُنْفَصِلِ فَلَا نَقْضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>