للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ وَكَذَلِكَ الْبَدَنُ (وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ) يَعْنِي مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ (وَقِيلَ) : إنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا وَفِي الْبَدَنِ وَاجِبٌ (وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ) وَقَدْ شُهِرَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ مُتَعَمِّدًا قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَعَلَى الثَّانِي يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا، وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ إلَى الِاصْفِرَارِ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلُ كُلُّهُ، وَفِي الصُّبْحِ إلَى الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ طَهَارَةَ الْبُقْعَةِ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ نَبَّهَ عَلَى مَوَاضِعِ نَهْيِ الشَّارِعِ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ: (وَيُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ) لَوْ قَالَ: وَنُهِيَ لَكَانَ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيُوَافِقَ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: عَنْ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَقْبُرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ

ــ

[حاشية العدوي]

يُصَلِّي بِثَوْبٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تَمَسَّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ التَّشْبِيهَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ حَتَّى يُدْخِلَ الْآكَدِيَّةِ، بَلْ الْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ أَيْضًا وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ] وَأَمَّا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَمَنْدُوبٌ فَإِزَالَتُهَا عَنْ بَدَنِهِ حَيْثُ تَمْنَعُ الطَّهَارَةَ فَرْضٌ، وَحَيْثُ لَا تَمْنَعُهَا مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَعْرَقُ فِيهِ اهـ، وَقِيلَ تَجِبُ إزَالَتُهَا وَيُحَرَّمُ بَقَاؤُهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.

تَنْبِيهٌ:

إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا وَعَرِقَ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، فَإِنْ كَانَ يَتَحَلَّلُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَيَلْتَصِقُ بِالْجَسَدِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْعَرَقُ، فَيَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْمُتَحَلِّلَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ شَيْءٌ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ فِي الْجَسَدِ فَلَا يَجِبُ غَسْلٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ بَوْلًا أَوْ مَنِيًّا وَفَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحَلُّلُ شَيْءٍ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ذَكَرَهُ بَعْضٌ.

[قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ] أَرَادَ بِالْوُجُوبِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فَيَشْمَلُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْ ثِيَابِ الصَّبِيِّ لَا مَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ [قَوْلُهُ: الْمُؤَكَّدَةِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِأَيْ فَيَقُولَ أَيْ الْمُؤَكَّدَةِ تَفْسِيرًا لِكَوْنِ السُّنَّةِ وَاجِبَةً، أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ السُّنَنِ وَاجِبَةً أَنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ [قَوْلُهُ: وَقَدْ شُهِرَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ] أَمَّا الْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ فَهُوَ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَبَا الْفَرَجِ وَرِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ إنَّهَا وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا الشَّارِحُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ فَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ سَوَاءٌ صَلَّى بِهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، هَكَذَا فُسِّرَ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ مُفَادُ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ عج عَلَى خَلِيلٍ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ الْقَوْلُ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّسْيَةِ اهـ، وَعَلَى ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَيْدَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فَقَطْ وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى خَلِيلٍ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ مُدَّعِيًا أَنَّ الْمَوَّاقَ يُفِيدُهُ.

[قَوْلُهُ: وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ] فِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ إعَادَتُهُمَا لِلْغُرُوبِ كَمَا أَنَّ الْعِشَاءَيْنِ يُعَادَانِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا هِيَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ فَأَشْبَهَتْ التَّنَفُّلَ، فَكَمَا لَا يَتَنَفَّلُ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَذَلِكَ لَا يُعِيدُ فِيهِ مَا يُعَادُ فِي الْوَقْتِ، وَكُلَّمَا جَازَ التَّنَفُّلُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ جَازَتْ الْإِعَادَةُ فِيهِ، وَقَدْ يُرَدُّ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ جَوَّزْتُمْ الْإِعَادَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَتُجَوِّزُونَهَا فِي الِاصْفِرَارِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنْهَى فِيهِ عَنْ التَّنَفُّلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ بَعْدَ الْعَصْرِ يُتَنَفَّلُ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي الصُّبْحِ إلَى الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصُّبْحُ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ تُعَادَ الظُّهْرُ أَنْ لِلْغُرُوبِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّ مُخْتَارَهَا لِلطُّلُوعِ.

[قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ] أَجَابَ الْفَاكِهَانِيُّ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُضَارِعِ يُشْعِرُ بِدَوَامِ اسْتِمْرَارِ النَّهْيِ وَتَجَدُّدِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ النَّسْخُ، بِخِلَافِ صِيغَةِ الْمَاضِي فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِالِانْقِرَاضِ دُونَ التَّجَدُّدِ [قَوْلُهُ: وَلِيُوَافِقَ لَفْظَ الْحَدِيثِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>