للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْيَسِيرُ عَفْوٌ وَيَبْدَأُ مِنْ أَعْلَاهُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَيُجْرِي يَدَيْهِ عَلَى مَا طَالَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَرَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: كُلُّهُ أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى غُضُونِ الْوَجْهِ بِقَوْلِهِ: (مَسْحًا) لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِ وَجْهِهِ (يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ) ضَرْبَةً ثَانِيَةً لِمَسْحِ يَدَيْهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، فَإِذَا شَرَعَ فِي مَسْحِهِمَا فَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ مَسْحِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ (يَمْسَحُ) أَوَّلًا (يُمْنَاهُ بِيُسْرَاهُ يَجْعَلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى) مَا عَدَا الْإِبْهَامَ (عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى) مَا عَدَا إبْهَامَهَا (ثُمَّ يُمِرُّ أَصَابِعَهُ عَلَى ظَاهِرِ يَدَيْهِ) يَعْنِي كَفَّهُ (وَ) عَلَى ظَاهِرِ (ذِرَاعِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ وَالْكُوعِ.

(وَ) يَكُونُ فِي مُرُورِهِ عَلَى ظَاهِرِ ذِرَاعِهِ (قَدْ حَنَى) أَيْ يَحْنِي بِمَعْنَى يَطْوِي (عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِرْفَقَيْنِ) قِيلَ: صَوَابُهُ الْمِرْفَقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَدِ الْوَاحِدَةِ إلَّا مِرْفَقٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا يَتَّكِئُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا الْمِرْفَقُ مِنْ الِارْتِفَاقِ فَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُ الْفَاءِ وَالْعَكْسُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ لِأَنَّ حَتَّى لِلْغَايَةِ قِيلَ: أَرَادَ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ إذْ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْهُ وَالْمَسْحُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ سُنَّةٌ وَإِلَى الْكُوعَيْنِ فَرِيضَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ مَشْهُورَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ مِنْ تَرْكِ الْمَسْحِ.

[قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْيَسِيرُ عَفْوٌ] ظَاهِرُهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ لَا يُجْزِئُ.

[قَوْلُهُ: وَيَبْدَأُ مِنْ أَعْلَاهُ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَيَجْرِي] أَيْ وُجُوبًا [قَوْلُهُ: وَرَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ إلَخْ] أَيْ فَلَا يَتَتَبَّعُ أَسَارِيرَ الْجَبْهَةِ وَكَذَا سَائِرُ غُضُونِ الْوَجْهِ.

[قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ مَسْحًا] فَإِنْ قُلْت هَذَا الْقَدْرُ قَدْ أَفَادَهُ قَوْلُهُ يَمْسَحُ بِهِمَا قُلْت لَكِنَّهُ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ كُلَّهُ فَأَفَادَ بِإِعَادَةِ مَسْحًا أَنَّ التَّأْكِيدَ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْزَاءِ الْوَجْهِ مِنْ حَيْثُ تَعْمِيمُهَا بِالْمَسْحِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَسْحٌ وَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ، [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ إلَخْ] هَذَا التَّرْتِيبُ سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ] أَيْ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى جِهَةٍ إلَخْ، أَيْ عَلَى جِهَةٍ هِيَ السُّنِّيَّةُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لَا يُقَالُ كَيْفَ يَمْسَحُ الْوَاجِبُ بِمَا هُوَ سُنَّةٌ لِأَنَّا نَقُولُ أَثَرُ الْوَاجِبِ بَاقٍ مِنْ الضَّرْبَةِ الْأُولَى مُضَافًا إلَيْهِ الضَّرْبَةُ الثَّانِيَةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا وَفَعَلَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ مَعًا بِالْأُولَى أَجْزَأَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ مُرَاعَاةِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ كَالْوُضُوءِ أَفَادَ ذَلِكَ بَهْرَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[قَوْلُهُ: يَعْنِي كَفَّهُ] لَمَّا كَانَ فِي تَفْسِيرِ الْيَدِ بِالْكَفِّ خَفَاءٌ أَتَى بِيَعْنِي [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ وَالْكُوعِ] أَيْ الذِّرَاعِ [قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ ذِرَاعِهِ] خَصَّهُ بِالذِّكْرِ دُونَ ظَاهِرِ الْيَدِ الْمُفَسَّرِ بِالْكَفِّ لِقَوْلِ الْأَقْفَهْسِيِّ إذْ لَا تُمْكِنُهُ تَحْنِيَةُ الْأَصَابِعِ إلَّا عَلَيْهِ لَا، عَلَى الْكَفِّ [قَوْلُهُ: أَيْ يَحْنِي إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُتَجَدِّدٌ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يُفِيدُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: قِيلَ صَوَابُهُ الْمِرْفَقُ إلَخْ] إنَّمَا أَتَى بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ بَيَانَ غَايَةِ الْمَسْحِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَدَيْنِ.

[قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ إلَخْ] كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ هَذَا خِلَافُ الرَّاجِحِ وَالرَّاجِحُ أَنَّ فِيهِ لُغَتَيْنِ كَسْرُ الْمِيمِ وَفَتْحُ الْفَاءِ وَعَكْسُهُ حَكَاهُمَا الْفَاكِهَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمِرْفَقُ مَا ارْتَفَقْت بِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مِثْلَ مَسْجِدٍ وَبِالْعَكْسِ لُغَتَانِ وَمِنْهُ مِرْفَقُ الْإِنْسَانِ وَأَمَّا مِرْفَقُ الدَّارِ كَالْمَطْبَخِ وَالْكَنِيفِ وَنَحْوِهِ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ عَلَى التَّشْبِيهِ بِاسْمِ الْآلَةِ وَجَمْعُ الْمِرْفَقِ مَرَافِقُ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمِرْفَقُ إلَخْ] أَيْ فَيَكُونُ الْمِرْفَقُ اسْمًا لِكُلِّ شَيْءٍ يَرْتَفِقُ بِهِ وَبِكَلَامِ الْمِصْبَاحِ تَعْلَمُ أَنَّ مِرْفَقَ الْإِنْسَانِ مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَتَّى لِلْغَايَةِ] أَيْ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ فَإِنْ قُلْت بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَمْسَحُ الْمِرْفَقَيْنِ لِأَنَّ الْغَايَةَ بِحَتَّى دَاخِلَةٌ قَطْعًا قُلْت هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ جَعَلْنَا مَدْخُولَهَا الْمِرْفَقَيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ إلَخْ] هَذَا التَّعَقُّبُ مَرْدُودٌ فَقَدْ رَجَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَوَصَفَهُ بِالْعَلَّامَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبِسَاطِيُّ، كَانَ إمَامًا عَارِفًا بِفُنُونِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مُتَوَاضِعًا سَرِيعُ الدَّمْعَةِ رَقِيقُ الْقَلْبِ طَارِحًا لِلتَّكَلُّفِ رُبَّمَا صَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>