(الْخَصِيفُ) وَاحْتُرِزَ بِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ الْخَفِيفِ النَّسْجِ الَّذِي يَشِفُّ، فَإِنْ صَلَّتْ بِهِ أَعَادَتْ أَبَدًا فَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَسْتُرَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَشَعْرَهَا وَعُنُقَهَا وَدَلَالَيْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تُظْهِرَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَعْنِي بَالِغًا، وَفِي رِوَايَةٍ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ عَلَيْهَا إزَارٌ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» .
(وَيُجْزِئُ الرَّجُلَ فِي الصَّلَاةِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ كَانَ كَثِيفًا سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ إلَّا عَوْرَتَهُ فَقَطْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلَا يُغَطِّي) الْمُصَلِّي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (أَنْفُهُ أَوْ وَجْهَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَضُمُّ ثِيَابَهُ أَوْ يَكْفِتُ) أَيْ يَضُمُّ (شَعْرَهُ) وَالنَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، أَمَّا تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ مِنْ التَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّجُلِ فَلِلْكِبْرِ إلَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ ذَلِكَ كَأَهْلِ مَسُوفَةٍ فَيُبَاحُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَهُمَا فَلِلتَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ، وَأَمَّا ضَمُّ الثِّيَابِ فَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَوْنًا ثِيَابَهُ لِئَلَّا تَتَلَوَّثَ تُرَابًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ تَرْكِ
ــ
[حاشية العدوي]
يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَمَا أَطْلَقَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ مِنْ جَوَازِ إظْهَارِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا مِنْ سَتْرِ الْخَدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِمَا ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّتْ بِهِ] أَيْ بِالْخَفِيفِ الَّذِي يَشِفُّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَصِفُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ فَيُكْرَهُ وَتُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَالرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يَشِفُّ وَيَصِفُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ بَشِيرٍ وَاعْتَرَضَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّافِّ الَّذِي تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِيهِ أَبَدًا هُوَ الشَّافُّ الَّذِي تَبْدُو مِنْهُ الْعَوْرَةُ دُونَ تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا الشَّافُّ الَّذِي لَا تَبْدُو الْعَوْرَةُ مِنْهُ إلَّا بِتَأَمُّلٍ فَهُوَ يُسَاوِي الَّذِي يَصِفُ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِسَاتِرِ الْبَطْنِ وَمَا حَاذَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِمَارُ يَشِفُّ بِحَيْثُ تَظْهَرُ مِنْهُ الرَّأْسُ بِدُونِ تَأَمُّلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تُعِيدُ أَبَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: ظُهُورَ قَدَمَيْهَا] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
[قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تُظْهِرَ وَجْهَهَا] وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ هُنَا غَيْرَ الْمُتَقَدِّمِ تَحْدِيدُهُ فِي الْوُضُوءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا سَتْرَ شَعْرِ رَأْسِهَا وَهَذَا يَشْمَلُ النَّابِتَ عَلَى الْجَبْهَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ احْتِيَاطًا.
[قَوْلُهُ: خَاصَّةً] قَيَّدَ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازًا عَنْ خَارِجِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي بَالِغًا] قَالَ الْمُنَاوِيُّ: شَارِحُ الْجَامِعِ وَخَصَّ الْحَيْضَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَبْلُغُ بِهِ الْإِنَاثُ لَا لِلِاحْتِرَازِ.
[قَوْلُهُ: إزَارٌ] الْمُرَادُ بِهِ مَا يُجْعَلُ فِي وَسَطٍ وَيُرْخَى إلَى الْأَسْفَلِ بِقَرِينَةٍ، قَوْلُهُ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا إلَخْ.
[قَوْلُهُ: إذَا كَانَ كَثِيفًا] أَيْ لَا يَصِفُ الْعَوْرَةَ وَلَا يَشِفُّ وَإِلَّا كُرِهَ وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ إلَّا عَوْرَتَهُ فَقَطْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَثِيفًا سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ.
[قَوْلُهُ: التَّعَمُّقِ] أَيْ التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ. [قَوْلُهُ: فَلِلْكِبْرِ] أَيْ لِمَظِنَّةِ الْكِبْرِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لِلْكِبْرِ حَقِيقَةً فَهُوَ حَرَامٌ.
[قَوْلُهُ: كَأَهْلِ مَسُوفَةَ] بَلَدٍ بِالْمَغْرِبِ.
[قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ] الْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَيَصْدُقُ بِخِلَافِ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ فَيَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَمُضَمَّنُ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْأَنْفِ مَكْرُوهَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَخِلَافُ الْأَوْلَى فِي الصَّلَاةِ وَمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَهُمَا] أَيْ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي تَغْطِيَةِ الْأَنْفِ.
[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَوْنًا إلَخْ] أَيْ الْبَاعِثُ عَلَى ذَلِكَ إمَّا الصَّلَاةُ أَوْ الصَّوْنُ، أَيْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: ضَرْبًا] أَيْ نَوْعًا