للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» .

قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَقُولُ: إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.

وَمِنْ الْآدَابِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ يَنْصَرِفَ) مُصَلِّي الْجُمُعَةِ (بَعْدَ فَرَاغِهَا وَلَا يَتَنَفَّلَ فِي الْمَسْجِدِ) ظَاهِرُهُ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا.

وَفِي الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّنَفُّلَ إثْرَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ هَذَا حُكْمُ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَيُبَاحُ لِلْمَأْمُومِ دُونَ الْإِمَامِ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَتَنَفَّلْ) يَعْنِي الْمَأْمُومَ فِي الْمَسْجِدِ (إنْ شَاءَ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَجْلِس الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا جَلَسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ التَّنَفُّلِ خَفَّفَ.

وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ) التَّنَفُّلَ قَبْلَ صَلَاةِ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمُرَادُ إذَا شَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ [قَوْلُهُ: يَفْرُغُ مِنْ صَلَاتِهِ] يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهَا كَمَا تَبَيَّنَ.

[قَوْلُهُ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ] أَيْ اجْتِهَادًا مِنْ عِنْدِهِ وَزِيَادَةً: ثَلَاثَةُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالْيَوْمَانِ اللَّذَانِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا [قَوْلُهُ: وَزِيَادَةً] أَيْ وَكَانَتْ كَفَّارَةُ الزِّيَادَةِ هِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَقَوْلُهُ: وَيَقُولُ: إنَّ الْحَسَنَةَ أَيْ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَا اجْتَهَدَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا، أَيْ فَمَا فَعَلَهُ حَسَنَةٌ وَهِيَ بِعَشْرٍ فَلِذَلِكَ كَفَّرَتْ لَهُ ذُنُوبَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَأَطْلَقَ الْحَسَنَةَ عَلَى التَّكْفِيرِ، وَهُوَ غُفْرَانُ الذَّنْبِ وَلَعَلَّهُ مَجَازٌ فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرُهُ إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ الْجُمُعَةَ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَوْ اغْتَسَلَ مَا الْحُكْمُ؟ قُلْت: يُعْطَى لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِمَا يُقَابِلُ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ.

تَنْبِيهٌ:

الْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالتَّهْجِيرِ وَالْمَشْيِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ كَتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ وَالتَّطَيُّبِ وَالتَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرَاغِهَا] أَيْ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ تَسْبِيحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ وَتَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَنْصَرِفَ الشَّخْصُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ حَتَّى يُحْدِثَ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَكْثَرُ الْمُصَلِّينَ لَا كُلُّهُمْ، وَيَجِيءُ وَقْتُ انْصِرَافِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفُوا [قَوْلُهُ: إمَامًا كَانَ إلَخْ] لَكِنْ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَشَدُّ [قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْمُدَوَّنَةِ] وَقَوْلُهَا الْآخَرُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ، وَفِعْلُهُ فَيُثَابُ إنْ تَرَكَ أَوْ صَلَّى ذُكِرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّحْقِيقِ، وَهَلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْجِنَازَةِ مُبِيحَةٌ لِلنَّفْلِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ حَصِينٌ أَوْ لَا تُبِيحُهُ؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا تت.

[قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لِلْمَأْمُومِ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ قَبِلَهَا] أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَجْلِسْ الْإِمَامُ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ الْأَذَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ يُكْرَهُ النَّفَلُ لِلْجَالِسِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَلَوْ الْأَوَّلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمُعَةِ، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ يُخْشَى مِنْهُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهَا، وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِنَدْبِهَا وَلَيْسَ مُقْتَدًى بِهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا لَوْ فَعَلَهَا مُقَلِّدًا فِي فِعْلِهَا الْقَائِلَ بِطَلَبِهَا حِينَئِذٍ، وَقُلْنَا: لِلْجَالِسِ احْتِرَازًا مِنْ قَادِمٍ عِنْدَ الْأَذَانِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمُتَنَفِّلٍ قَبْلَ الْأَذَانِ وَاسْتَمَرَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا التَّنَفُّلُ [قَوْلُهُ: فَإِذَا جَلَسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ] بَلْ إذَا خَرَجَ لِلْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ، وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ، فَلَوْ تَنَفَّلَ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلْخُطْبَةِ وَأَحْرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>