للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَادِ (الْمُؤْمِنِينَ فِي كَفَالَةِ) أَيْ حَضَانَةِ (أَبِينَا إبْرَاهِيمَ) الْخَلِيلِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (وَأَبْدِلْهُ دَارًا) أَيْ فِي الْآخِرَةِ (خَيْرًا مِنْ دَارِهِ) أَيْ فِي الدُّنْيَا.

(وَ) أَبْدِلْهُ (أَهْلًا) أَيْ: قَرَابَةً فِي الْآخِرَةِ (خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ قَرَابَتِهِ فِي الدُّنْيَا بِجِوَارِهِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ يُؤَانِسُونَهُ، (وَعَافِهِ) أَيْ نَجِّهِ (مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ لِسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَضَمَّةِ الْقَبْرِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا لِكُلِّ أَحَدٍ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لَكِنَّ ضَمَّهَا لِلْمُؤْمِنِ ضَمُّ شَفَقَةٍ كَضَمَّةِ الْوَالِدَةِ الشَّفُوقَةِ لِوَلَدِهَا وَتَقُولُ: مَرْحَبًا بِمَنْ كُنْت أُحِبُّهُ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِي فَكَيْفَ الْآنَ وَهُوَ فِي بَطْنِي، وَضَمَّةُ الْكَافِرِ

ــ

[حاشية العدوي]

إبْرَاهِيمَ.

[قَوْلُهُ: سَلَفِ أَوْلَادِ إلَخْ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ بِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ السَّالِفِينَ أَيْ الَّذِينَ مَاتُوا، وَهَلْ أَرَادَ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ مُؤْمِنِي كُلِّ أُمَّةٍ.

[قَوْلُهُ: فِي كَفَالَةِ أَيْ حَضَانَةِ إلَخْ] . وَذَلِكَ لِأَنَّ «نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ شَيْخًا فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ وَحَوْلَهُ صِبْيَانٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُوك إبْرَاهِيمُ وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ» ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُمْ فِي كَفَالَتِهِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ غَيْرِهِمْ الْجَنَّةَ.

وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: يُمْكِنُ أَنَّ أَوْلَادَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسُوا مُسَاوِينَ لِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَعَلَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ.

[قَوْلُهُ: أَبِينَا إبْرَاهِيمَ] قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: مَعْنَى إبْرَاهِيمَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَبٌ رَحِيمٌ وَذَلِكَ لِرَحْمَتِهِ بِالْأَطْفَالِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ كَافِلَيْنِ لِأَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ انْتَهَى.

فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأُبُوَّةِ الَّتِي أَشَارَ لَهَا شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ أَبِينَا تِلْكَ الْأُبُوَّةُ مِنْ حَيْثُ الشَّفَقَةُ إذْ كُنَّ صِغَارًا؛ لِأَنَّهُ جَدٌّ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ كُلِّهِمْ.

تَنْبِيهٌ: يَقُولُ ذَلِكَ الدُّعَاءَ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي أَبًا أَوْ أُمًّا لِلطِّفْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ هُوَ الْمَأْثُورُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَاجْعَلْهُ لِوَالِدَيْهِ سَلَفًا فَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ أَوْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي فَلَا يَقُولُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَيُسْقِطُ أَبَاهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَأَبْدِلْهُ دَارًا أَيْ فِي الْآخِرَةِ] أَيْ وَهِيَ الْجَنَّةُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا دُعَاءٌ بِمَا هُوَ حَاصِلٌ، فَالدُّعَاءُ بِهِ مَحْضُ تَعَبُّدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَدْعُوُّ بِهِ مَوْضِعٌ مُرْتَفِعٌ فِي الْجَنَّةِ.

وَقَوْلُهُ: خَيْرًا مِنْ دَارِهِ فِي الدُّنْيَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَنَّةَ أَوْ الْمَوْضِعَ الْمُرْتَفِعَ خَيْرٌ مِنْ دَارِهِ فِي الدُّنْيَا.

[قَوْلُهُ: وَأَبْدِلْهُ أَهْلًا] أَيْ قَرَابَةً فِي الْآخِرَةِ إلَخْ.

لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ فَقَدْ أُبْدِلَ أَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ.

وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَرَابَةٌ أُخْرَى زِيَادَةٌ عَنْ تِلْكَ الْقَرَابَةِ، وَتِلْكَ الْقَرَابَةُ الزَّائِدَةُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ.

[قَوْلُهُ: بِجِوَارِهِ] أَيْ تِلْكَ الْقَرَابَةُ بِجِوَارِهِ.

وَقَوْلُهُ: بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ تِلْكَ الْقَرَابَةُ مُصَوَّرَةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ] تَفْسِيرٌ لِلشَّيْءِ بِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ السُّؤَالُ، وَيَتَسَبَّبُ عَنْهُ عَدَمُ الثَّبَاتِ وَقَوْلُهُ: لِلسُّؤَالِ أَيْ لِأَجْلِ السُّؤَالِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ وَأَنَّهُ قَابِلٌ لِلِافْتِتَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي السُّؤَالِ.

وَأَمَّا الِافْتِتَانُ فَمُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَابِلٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ نَظَرًا لِكَوْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ الطِّفْلَ عَقْلًا وَإِنْ امْتَنَعَ شَرْعًا.

وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَعَافِهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ.

[قَوْلُهُ: وَضَمَّةِ الْقَبْرِ] مَعْطُوفٌ عَلَى عَدَمِ الثَّبَاتِ، وَالْمُرَادُ ضَمَّةٌ عَلَى وَجْهِ مُنْكَرٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.

[قَوْلُهُ: لَكِنَّ ضَمَّتَهَا لِلْمُؤْمِنِ إلَخْ] أَيْ الْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤْمِنِ غَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَيْ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ دُعَاءُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ يَكْفِي مُطْلَقُ الدُّعَاءِ بَلْ لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اُعْفُ عَنْهُ كَفَى وَإِنْ صَغِيرًا.

وَالْحُكْمُ فِي اجْتِمَاعِ الْكِبَارِ وَالْأَطْفَالِ تَقْدِيمُ الدُّعَاءِ لِلْكِبَارِ عَلَى الْأَطْفَالِ أَوْ يَجْمَعُهُمْ فِي دُعَاءٍ وَاحِدٍ وَيَقُولُ عَقِبَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْأَوْلَادَ سَلَفًا لِوَالِدَيْهِمْ وَفَرَطًا وَأَجْرًا فَتَأَمَّلْ.

[قَوْلُهُ: مَرْحَبًا] أَيْ نَزَلْت مَكَانًا رَحْبًا أَيْ وَاسِعًا.

[قَوْلُهُ: بِمَنْ كُنْت أُحِبُّهُ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ الْحَيَاةِ مَوْجُودٌ فِيهَا أَيْ كَغَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>