للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَ قَامَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ) أَيْ أَفْضَلُ (لَمَّا قَوِيَتْ نِيَّتُهُ) يَعْنِي نَشِطَتْ نَفْسُهُ (وَحْدَهُ) وَلَمْ يَكْسَلْ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنْ لَا تُعَطَّلَ الْمَسَاجِدُ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَفْعَلُ فِيهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ عَدَدَهُ فَقَالَ: (وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (يَقُومُونَ فِيهِ) أَيْ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فِي الْمَسَاجِدِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً) وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْعَمَلُ الْآنَ عَلَيْهِ (ثُمَّ) بَعْدَ قِيَامِهِمْ بِالْعِشْرِينَ رَكْعَةً (يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ) أَيْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ (وَيَفْصِلُونَ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِسَلَامٍ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفْصَلُ وَخَيَّرَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ (ثُمَّ صَلَّوْا) أَيْ السَّلَفُ غَيْرُ السَّلَفِ الْأَوَّلِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْقِيَامِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) .

وَهَذَا اخْتِيَارُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَنْهُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِ الْإِمَامِ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ بِتَمَامِهِ فِي التَّرَاوِيحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت وَنَصُّهَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْخَتْمُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ، أَيْ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ إنْ رَضُوا بِذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ سُنَّةِ الْقِيَامِ] أَيْ مِنْ طَرِيقَتِهِ أَيْ أَنَّ وَقْتَ الْقِيَامِ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ فَوَقْتُهُ وَقْتُ الْوَتْرِ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ شَاءَ قَامَ فِي بَيْتِهِ] أَيْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقِيلَ مُنْفَرِدًا وَلَوْ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ حَكَاهُمَا تت.

[قَوْلُهُ: أَيْ أَفْضَلُ] مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ مَعَ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ مَسْجِدَ مَكَّةَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.

[قَوْلُهُ: يَعْنِي نَشِطَتْ نَفْسُهُ] نَشِطَ مِنْ بَابِ تَعِبَ خَفَّ وَأَسْرَعَ نَشَاطًا وَلَا يَظْهَرُ دَاعٍ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَّا كَوْنُهُ أَوْضَحَ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ وَلَمْ تَقْوَ النِّيَّةُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكْسَلْ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَسِلَ كَسَلًا فَهُوَ كَسِلٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَكَسْلَانُ أَيْضًا.

[قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنْ لَا تُعَطَّلَ إلَخْ] وَيُقَيَّدُ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَكُونَ آفَاقًا بِالْمَدِينَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ فَإِنْ لَمْ يَنْشَطْ وَحْدَهُ فَفِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، وَكَذَا إذَا تَعَطَّلَتْ الْمَسَاجِدُ أَوْ كَانَ آفَاقِيًّا بِالْمَدِينَةِ، وَالْمُرَادُ بِتَعْطِيلِهَا تَعْطِيلُهَا عَنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِيهَا وَلَوْ فُرَادَى كَمَا اسْتَقَرَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

وَالْمُرَادُ بِالتَّعْطِيلِ التَّعْطِيلُ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا لِابْنِ عِمْرَانَ قَالَهُ عج.

ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ قَائِمًا وَفِي الْبَيْتِ جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ.

[قَوْلُهُ: يَقُومُونَ فِيهِ أَيْ فِي زَمَنِ عُمَرَ] أَيْ عَلَى إمَامِ جَمَاعَةٍ [قَوْلُهُ: مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ] سَيَأْتِي اخْتِيَارُ مَالِكٍ.

[قَوْلُهُ: يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ] مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْأَشْرَفِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَتْرٌ لِأَنَّ الْوَتْرَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ [قَوْلُهُ: وَيَفْصِلُونَ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ] أَيْ اسْتِحْبَابًا وَيُكْرَهُ الْوَصْلُ أَيْ إلَّا لِاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلِهِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ السَّلَفُ غَيْرُ السَّلَفِ الْأَوَّلِ] أَيْ فَهُمْ سَلَفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السَّلَفَ الْأَوَّلَ الصَّحَابَةُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذَا السَّلَفِ التَّابِعِينَ.

[قَوْلُهُ: فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ] أَيْ وَاَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِصَلَاتِهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ فِي الْقِرَاءَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمِلَلِ وَالسَّآمَةِ، فَأَمَرَهُمْ بِتَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ وَزِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ، وَالسُّلْطَانُ إذَا نَهَجَ مَنْهَجًا، لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ [قَوْلُهُ: وَعَنْهُ] أَيْ وَعَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ.

وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَأْخُذُ بِنَفْسِي فِي ذَلِكَ أَيْ الْقِيَامُ الْمَعْنِيُّ الْحَقِيقِيُّ لِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي يَأْخُذُ نَفْسِي وَيَتَنَاوَلُهَا فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ ذَلِكَ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ التَّمَكُّنِ فَأَطْلَقَ اللَّفْظَ، وَأَرَادَ لَازِمَهُ الْمَذْكُورَ أَيْ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِي نَفْسِي وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ قَبْلُ: يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فِي الْمَسَاجِدِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْإِحْدَى عَشْرَةَ كَانَتْ مَبْدَأَ الْأَمْرِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْعِشْرِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: رَجَعَ عُمَرُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً [قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>