ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ فِي التَّرْجَمَةِ، فَقَالَ: (وَفِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ عَدَنَ بِفَتْحِ الدَّالِ فِي الْمَاضِي يَعْدِنُ بِكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عُدُونًا إذَا أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ جَنَّاتُ عَدْنٍ أَيْ إقَامَةٍ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ إنْ كَانَ اسْمُ مَكَانِ الْفَتْحِ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) بَيَانٌ لِمَا يُخْرَجُ (الزَّكَاةُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ نَدْرَةً بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِغَيْرِ عَمَلٍ أَوْ عَمَلٍ يَسِيرٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا الْخُمُسَ لَا الزَّكَاةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا تَخْصِيصُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا زَكَاةَ فِي مَعَادِنِ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالزِّرْنِيخِ وَشَبَهِهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (إذَا بَلَغَ) الْخَارِجُ مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ (وَزْنَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ) بَلَغَ الْخَارِجُ مِنْ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ وَزْنَ (خَمْسَةِ أَوَاقٍ فِضَّةً) وَانْظُرْ لِمَ أَثْبَتَ التَّاءَ مَعَ الْمُؤَنَّثِ إذْ الْأُوقِيَّةُ مُؤَنَّثَةٌ (فَ) حِينَئِذٍ يَكُونُ (فِي ذَلِكَ) الْخَارِجِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) لَا الْخُمُسِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» .
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ حُصُولِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَّ الْعَبْدَ كَالْحُرِّ وَالْكَافِرَ كَالْمُسْلِمِ وَالشُّرَكَاءَ كَالْوَاحِدِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا زَكَاةَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْكَافِرِ وَالشُّرَكَاءُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ يُرَاعِي النِّصَابَ فِي حَقِّهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْمَعْدِنَ شَبِيهٌ بِالزَّرْعِ وَالزَّرْعُ لَا يُزَكِّيهِ عَبْدٌ وَلَا نَصْرَانِيٌّ حَتَّى يَصِيرَ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (يَوْمَ خُرُوجِهِ) أَيْ يَوْمَ خَلَاصِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ. ق: يُرِيدُ يَعْنِي الشَّيْخُ أَنَّ الْحَوْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَيُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا رَفَعَ شَيْئًا مِنْ الْمَعْدِنِ فَلَمْ يُصَفِّهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ فَمَنْ قَالَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ قَالَ بِزَكَاتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَنْ قَالَ تَجِبُ يَوْمَ خُرُوجِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ قَالَ يُزَكِّيهِ زَكَاتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَكَثَ أَحَوْلًا بِغَيْرِ تَصْفِيَةٍ انْتَهَى.
(وَكَذَلِكَ فِيمَا يَخْرُجُ) مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ رُبْعَ عُشْرِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُتَّصِلًا بِهِ) أَيْ بِالنِّصَابِ الْمُخْرَجِ أَوَّلًا (وَإِنْ قَلَّ) وَهَذَا
ــ
[حاشية العدوي]
بِهِ] أَيْ بِالْمَكَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَةً] سُمِّيَ بِذَلِكَ لِطُولِ إقَامَةِ النَّاسِ فِيهِ صَيْفًا وَشِتَاءً. [قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ الْقِيَاسَ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اسْمَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مِنْ يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى مَفْعِلٍ مَكْسُورِ الْعَيْنِ كَالْمَجْلِسِ، وَمِنْ يَفْعَلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى مَفْعَلٍ مَفْتُوحِ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا الْخُمُسَ] وَيُدْفَعُ ذَلِكَ الْخُمُسُ لِلْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَإِلَّا فُرِّقَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
[قَوْلُهُ: وَانْظُرْ] قَالَ تت: لَا نَظَرَ لِأَنَّ التَّاءَ لَا تَلْزَمُ فِي الْمُؤَنَّثِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّك تَقُولُ طَلَعَ الشَّمْسُ وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ وَتَأَمَّلْهُ.
[قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ] أَيْ حِينَ قُلْنَا فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةُ. [قَوْلُهُ: لِعُمُومِ] أَيْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، أَيْ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ خَمْسَةُ أَوَاقٍ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمَعْدِنِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَصِيرَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَحَتَّى يَصِيرَ بِالْوَاوِ. [قَوْلُهُ: خَلَاصِهِ] أَيْ خُرُوجِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْفِيَتِهِ. وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا لِإِخْرَاجِ الْفُقَرَاءِ وَقِيلَ بِتَصْفِيَتِهِ مِنْ تُرَابِهِ وَسَبْكِهِ لِإِزَالَةِ التُّرَابِ عَنْهُ فَقَطْ.
وَالْمَشْهُورُ الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِتَصْفِيَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ] أَيْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: الزَّكَاةُ] بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِهِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الزَّكَاةُ أَوْ أَنَّ الزَّكَاةَ مَجْرُورَةٌ بِإِضَافَةِ نِصَابٍ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِهِ مُبْتَدَأٌ