فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَكْلِهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي مُهْوَاةٍ وَنُحِرَ أُكِلَ اتِّفَاقًا.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ فِيهَا شَرْعِيَّةٌ غَيْرُ حِسِّيَّةٍ فَقَالَ: (وَذَكَاةُ مَا فِي الْبَطْنِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْعَامِ إذَا ذُكِّيَتْ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ أَنَّ «أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ، يَنْحَرُهَا أَحَدُنَا فَيَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَنَأْكُلُهُ أَمْ نُلْقِيهِ؟ قَالَ: كُلُوا إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . وَاشْتَرَطَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ لِذَلِكَ شُرُوطًا وَهُوَ: (إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ) يُرِيدُ الشَّيْخُ بِتَمَامِ خَلْقِهِ أَنَّهُ كَمُلَ خَلْقُهُ، وَلَوْ خُلِقَ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ نَقْصُهُ مِنْ تَمَامِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ، وَعُدُولُ الشَّيْخِ عَنْ أَنْ يَقُولَ كَمُلَ شَعْرُهُ أَيْ نَبَتَ شَعْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا إنْبَاتُ بَعْضِ الشَّعْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، نَعَمْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُؤْكَلُ بِنَبَاتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ شَعْرُ جَسَدِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ إلَى جَوَازِ أَكْلِهِ بِذَلِكَ.
ــ
[حاشية العدوي]
سَهْوًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ لَا حَاجَةَ لَهَا وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ. [قَوْلُهُ: وَنُحِرَ أُكِلَ اتِّفَاقًا] أَيْ فِي لَبَّةٍ لَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ عَقَرَ، وَيُقَالُ هُنَا أَيْضًا وَمِنْ الضَّرُورَةِ عَدَمُ آلَةِ الذَّبْحِ وَلَا يُعْذَرُ بِنِسْيَانٍ وَلَا بِجَهْلٍ بِالْحُكْمِ وَفِي جَهْلِ الصِّفَةِ قَوْلَانِ.
قَوْلُهُ: وَذَكَاةُ مَا فِي الْبَطْنِ ذَكَاةُ أُمِّهِ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لَفْظُ حَدِيثٍ رُوِيَ بِرَفْعِ ذَكَاةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ أَيْ ذَكَاتُهُ مَحْصُورَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِذَكَاةٍ ثَانِيَةٍ.
[قَوْلُهُ: وَالنَّاقَةُ] أَيْ أَوْ النَّاقَةُ بِدَلِيلِ إفْرَادِ ضَمِيرِ يَنْحَرُهَا، وَالْمُرَادُ أَوْ الشَّاةُ وَقَوْلُهُ: يَنْحَرُهَا أَوْ يَذْبَحُهَا. [قَوْلُهُ: إنْ شِئْتُمْ] التَّعْبِيرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ إعْطَائِهِ لِنَحْوِ هِرَّةٍ لَا إلْقَاؤُهُ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: ذَكَاةُ أُمِّهِ إلَخْ] بِالرَّفْعِ خَبَرُ إنَّ. [قَوْلُهُ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ] بَقِيَ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ حَيًّا فِي بَطْنِهَا لِوَقْتِ تَذْكِيَتِهَا حَيَاةً مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ، وَمِنْ عَلَامَةِ حَيَاتِهِ غَالِبًا إتْمَامُ خَلْقِهِ وَنَبَاتِ شَعْرِهِ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ تُحَقِّقُ حَيَاتَهُ فِي بَطْنِهَا إلَى ذَكَاتِهَا وَالشَّكُّ فِيهَا فَتُؤْكَلُ فِيهِمَا بِنُزُولِهِ مَيِّتًا إنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ بِبَطْنِهَا كَضَرْبِهَا حَتَّى يَمُوتَ بِهَا قَبْلَ ذَكَاتِهَا فَلَا يُؤْكَلُ بِذَكَاتِهَا وَلَوْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَلُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمِّ فَيُؤْكَلُ جَنِينُ الْبَقَرِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَوْ كَانَ شَاةً وَعَكْسُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْجَنِينُ كَلْبًا أَوْ حِمَارًا فَلَا يُؤْكَلُ لِحُرْمَةِ نَوْعِهِ كَمَا لَا يُؤْكَلُ جَنِينُ الْحِمَارَةِ أَوْ الْفَرَسِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا يُؤْكَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ نَزَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَتَمَكَّنَّا مِنْ ذَبْحِهِ.
[قَوْلُهُ: يُرِيدُ الشَّيْخُ بِتَمَامِ خَلْقِهِ أَنَّهُ كَمُلَ خَلْقُهُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَامِ خَلْقِهِ تَنَاهِي خِلْقَتِهِ وَوُصُولِهَا إلَى الْحَدِّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لِإِكْمَالِ أَطْرَافِهِ فَيُؤْكَلُ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ نَبَتَ شَعْرُهُ] كَذَا فِيمَا بِيَدَيَّ مِنْ النُّسَخِ فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِكَمُلَ وَهَذَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ، فَالْمُنَاسِبُ إلَى أَيْ عُدُولِهِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِكَمُلَ إلَى التَّعْبِيرِ بِإِلَى. ثُمَّ أَقُولُ: وَبَعْدُ فَفِي هَذَا الْكَلَامِ بَحْثٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَمَالِ الشَّعْرِ تَنَاهِيهِ فِي الطُّولِ لَا إتْمَامِ نَبَاتِ الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ مُفَادُهُ عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِنَبَتَ شَعْرُهُ ظَاهِرٌ فِي نَبَاتِ الْجَمِيعِ لِإِنْبَاتِ الْبَعْضِ كَمَا هُوَ مُفَادُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] فَلَوْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ لِعَارِضٍ اُعْتُبِرَ نَبَاتُ شَعْرِ مِثْلِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَلِكَ] أَيْ وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ شَعْرُ رَأْسِهِ أَوْ حَاجِبَيْهِ. وَقَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي، وَأَرَادَ بِبَعْضِ شُيُوخِهِ ابْنَ عَرَفَةَ وَقَوْلُهُ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي وَهُوَ ضَعِيفٌ فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute