سَحْنُونٌ) : بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا (إلَّا أَنْ يَطُولَ مُقَامُهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ إقَامَتُهَا (فِيهِ فَإِنَّهُ يُطْرَحُ كُلُّهُ) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا طَالَ مُقَامُهَا فِي الْجَامِدِ نَفَذَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَدَلِيلُ التَّفْرِقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
«وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحِهِمْ» لَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] الْآيَةَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ الذَّبِيحَةُ كُلُّهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِلُّ الْمَيْتَةَ، وَأَمَّا مَنْ يَسْتَحِلُّهَا فَقَالَ الْبَاجِيُّ إنْ ذَبَحَ بِحَضْرَتِك وَأَصَابَ وَجْهَ الذَّكَاةِ جَازَ أَكْلُهَا، وَأَمَّا إنْ غَابَ عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا أَيْضًا فِي غَيْرِ الضَّحَايَا، وَأَمَّا فِي الضَّحَايَا فَلَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ.
(وَكُرِهَ أَكْلُ شُحُومِ
ــ
[حاشية العدوي]
لِي: أَتَخَافُ أَوْ يَخَافُ أَهْلُ السَّفِينَةِ وَفِيهِمْ سَحْنُونٌ؟ فَاسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا الْبَحْرُ قَدْ سَكَنَ فَكَاشَفَنِي سَحْنُونٌ وَقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيَّ مَا رَأَيْت وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا قَالَ بَعْضُهُمْ يَكْفِي أَهْلَ الْمَغْرِبِ قَبْرُ سَحْنُونَ اهـ.
[إلَّا أَنْ يَطُولَ مُقَامُهَا] بِحَيْثُ يُظَنُّ السَّرَيَانُ بِجَمِيعِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَتُهَا] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُقَامَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ [قَوْلُهُ: وَانْتَشَرَتْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ] أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ الْمُتَقَيِّدِ بِالصَّحِيحِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالصَّحِيحِ هَذَا مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ نَقَلَهُ عَنْ أَبِي دَاوُد وَكَذَا تت وَأَبُو دَاوُد لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالصَّحِيحِ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْ لَيْسَ مَوْجُودًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَدَلِيلُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ مَا فِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» . ك؟ فَفَرَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ إلَى أَنْ قَالَ: وَقِيسَ عَلَى السَّمْنِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا سَائِرُ الْمَائِعَاتِ إلَّا الْمَاءَ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ] الْمُرَادُ بِهِمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الصَّغِيرُ مِنْهُمْ وَالْكَبِيرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ [قَوْلُهُ: الْجُمْهُورُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ] أَيْ فَعَطَفَ وَذَبَائِحِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ: بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلتَّفْسِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ [قَوْلُهُ: كُلِّهَا] أَيْ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ هِيَ الذَّبِيحَةُ كُلُّهَا مَا حَلَّ ذَلِكَ مِنْهَا وَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ كَالطَّرِيفَةِ، وَمُقَابِلُ الْجُمْهُورِ إنَّمَا أَحَلَّ طَعَامَهُمْ فِي الذَّبِيحَةِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ حَلَالٌ لَهُمْ لِأَنَّ مَا يَحِلُّ لَهُمْ تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ، فَمَنَعَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةَ وَالشُّحُومُ الْمَحْضَةُ مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا الْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَا بُدَّ لِلْجَوَازِ مِنْ شُرُوطٍ أَنْ يَذْبَحَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَذْبُوحُهُ حَلَالًا لَهُ بِشَرْعِنَا، وَأَنْ لَا يَذْبَحَ بِاسْمٍ نَحْوَ الصَّنَمِ فَإِنْ ذَبَحَهُ بِاسْمٍ حَرُمَ أَكْلُهُ كَمَا يَحْرُمُ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ بِشَرْعِنَا كَذَوَاتِ الظُّفْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ مَا هُوَ حَلَالٌ لَهُ بِشَرْعِنَا، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ بِشَرْعِهِ فَقَطْ كَالطَّرِيفَةِ فَيُكْرَهُ لَنَا أَكْلُهَا وَهِيَ أَنْ تُوجَدَ الذَّبِيحَةُ فَاسِدَةَ الرِّئَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ مَا ذَكَّاهُ بِشُرُوطٍ تَسْمِيَةٌ، وَأَمَّا اسْتِنَابَةُ مُسْلِمٍ لَهُ وَذَبْحِهِ لَهُ فَقَوْلَانِ بِصِحَّةِ الذَّبْحِ فَيُؤْكَلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَا تُؤْكَلُ، ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تت عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إنْ ذَبَحَ بِحَضْرَتِك وَأَصَابَ] الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ يَذْبَحُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَعْرِفُ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ وَلَوْ صَغِيرًا مُسْلِمًا مُمَيِّزًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْ لَا يَعْرِفُهَا، إذَا وَصَفَ مَا حَصَلَ بِحَضْرَتِهِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ [قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الضَّحَايَا] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي شَخْصٍ كَافِرٍ ذَكَّى لِنَفْسِهِ فَلَا يَعْقِلَا مِنْهُ ضَحِيَّةً.
[قَوْلُهُ: وَكُرِهَ أَكْلُ شُحُومِ الْيَهُودِ] أَيْ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا كَشَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْخَالِصِ كَالشَّحْمِ الرَّقِيقِ الَّذِي يَغْشَى الْكَرِشَ وَالْأَمْعَاءِ، فَإِنْ قِيلَ: شَحْمُ الْيَهُودِ مِمَّا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِشَرْعِنَا فَلِمَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ جُزْءٌ مُذَكًّى وَالْمُذَكَّى حَلَّ لَهُ فَهُوَ لَمْ يُذْبَحْ غَيْرُ حِلٍّ لَهُ لَكِنْ لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِ كُرِهَ أَكْلُهُ لَنَا. وَبِقَوْلِهِ: عَلَى الْمَشْهُورِ مُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute