للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ فِي الصَّحِيحِ فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنَّ النَّذْرَ عَلَى قِسْمَيْنِ. نَذْرُ طَاعَةٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَنَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ " وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَذَرَ صَدَقَةَ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ عِتْقَ) رَقَبَةِ (عَبْدِ غَيْرِهِ) كُرِهَ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لَا صَدَقَةٌ وَلَا عِتْقٌ مَا وَلَمْ يُعَلِّقْ فَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ لَزِمَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْهُورِ نَحْوَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ إنْ مَلَكْته.

وَقَسَّمَ النَّذْرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مُعَلَّقٌ وَهُوَ مَا عُلِّقَ بِمُتَوَقَّعٍ، وَمُطْلَقٌ وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ، وَمُبْهَمٌ وَهُوَ مَا لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا) سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا أَوْ كَيْفَمَا كَانَ (فَعَلَيَّ نَذْرِ كَذَا) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ إنْ فَعَلَ مَا شَرَطَهُ (وَكَذَا) إنْ قَالَ (لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ مِنْ فِعْلِ الْبِرِّ مِنْ صَلَاةٍ) أَيْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ أَوْجَبْتُ أَنْ يَقُولَ إيجَابٌ، أَيْ إلْزَامُ نَفْسِهِ قُرْبَةً، وَقَوْلُهُ مَا يَلْزَمُ أَيُّ شَيْءٍ يَلْزَمُ وَالْأَحْسَنُ حَذْفُ قَوْلِهِ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللُّزُومَ مِنْ الِالْتِزَامِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْقُرَبِ أَيْ جِنْسِ الْقُرَبِ بَيَانٌ لِمَا أَيْ الْتِزَامِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَيْ لَا كَافِرٍ، وَنُدِبَ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ أَسْلَمَ وَلَا صَبِيٍّ وَنُدِبَ لَهُ وَفَاؤُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَشَمِلَ الْمُكَلَّفُ الْعَبْدَ يَنْذُرُ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ فِي غَيْرِ الْمَالِ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ حَيْثُ نَذَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ وَكَانَ مَضْمُونًا، وَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ وَشَمِلَ أَيْضًا السَّفِيهَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَيَلْزَمُهُ نَذْرُ غَيْرِ الْمَالِ لَا الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ، فَعَلَى وَلِيِّهِ رَدُّهُ كُلُّهُ، وَرَدُّهُ إبْطَالٌ فَإِنْ رَدَّهُ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَاسْتَمَرَّ بِيَدِهِ حَتَّى رَشَدَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَشَمِلَ أَيْضًا مَرِيضًا وَزَوْجَةً رَشِيدَةً، وَلَوْ بِزَائِدِ الثُّلُثِ فِيهِمَا لَكِنْ إنْ أَجَازَهُ الزَّوْجُ وَالْوَارِثُ، وَإِلَّا نَفَذَ ثُلُثُ الْمَرِيضِ وَلِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ.

وَشَمِلَ أَيْضًا نَذْرَ مَنْ سَكَرَ بِحَرَامٍ حَالَ سُكْرِهِ وَأَوْلَى قَبْلَهُ وَيَلْزَمُهُمَا الْوَفَاءُ بِهِ إذَا أَفَاقَا لَا بِحَلَالٍ، فَكَالْمَجْنُونِ وَانْظُرْ هَلْ يُنْدَبُ لَهُمَا الْوَفَاءُ إذَا أَفَاقَا وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُنْدَبُ لَهُ الْوَفَاءُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْقُرَبِ أَيْ الْمَنْدُوبَةِ، وَلَزِمَ نَذْرُ صَوْمِ رَابِعِ النَّحْرِ، وَإِحْرَامٍ بِحَجٍّ قَبْلَ زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ مَطْلُوبَانِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الزَّمَنِ، وَغَيْرُ مَطْلُوبِينَ عِنْدَ مُلَاحَظَتِهِ، فَالنَّذْرُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نَظَرًا لِلْحَالَةِ الْأُولَى.

وَانْظُرْ نَذْرَ صَلَاةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَفَرْضِ عَصْرٍ وَبَقِيَّةِ الْمَكْرُوهَاتِ هَلْ تَلْزَمُ أَيْضًا نَظَرًا لِمُطْلَقِ النَّفْلِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْوَقْتِ، وَقُلْنَا الْمَنْدُوبَةِ احْتِرَازًا عَنْ نَذْرِ الْوَاجِبِ فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَانْظُرْ حُكْمَ الْإِقْدَامِ وَاسْتَظْهِرْ التَّحْرِيمَ وَعَنْ نَذْرِ الْمُحَرَّمِ كَزِنًا وَالْمَكْرُوهِ كَنَذْرِ نَفْلٍ بَعْدَ فَرْضِ عَصْرٍ، وَالْمُبَاحِ كَنَذْرِ مَشْيٍ بِسُوقٍ إذْ لَا قُرْبَةَ فِيهِ، وَنَذْرُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، وَفِي كَوْنِهِ الْمَكْرُوهَ وَالْمُبَاحَ كَذَلِكَ أَوْ مِثْلَهُمَا، قَوْلًا. الْأَكْثَرُ مَعَ ظَاهِرِ الْمُوَطَّإِ وَالْمُقَدَّمَاتِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قِيلَ: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْحُرْمَةِ فِيهِمَا أَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الْمَنْدُوبُ. [قَوْلُهُ: فَلْيُطِعْهُ] أَيْ وُجُوبًا بِفِعْلِ مَا نَذَرَهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِنَذْرِ اللُّجَاجِ أَوْ قَصَدَ بِهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِنَذْرِ التَّبَرُّرِ، كَمِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ لِكَرَاهَةِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ [قَوْلُهُ: كُرِهَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ] بَحَثَ فِيهِ عج بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَنَذْرُ الْمُبَاحِ حَرَامٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ مِلْكَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ نَذْرِ الْمَنْدُوبِ فَلَا يُكْرَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَمَنْ نَذَرَ إلَخْ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَمْلِيكَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ إذَا مَلَكَهُ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ] أَيْ عَلَى شَرْطٍ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا يَلْزَمُهُ.

[قَوْلُهُ: بِمُتَوَقَّعٍ] أَيْ بِمَرْجُوِّ الْحُصُولِ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ [قَوْلُهُ: أَوْ كَيْفَمَا كَانَ] أَيْ أَوْ مَا كَانَ عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: نَذْرُ كَذَا] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ مَنْذُورٍ وَهُوَ كَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ [قَوْلُهُ: وَكَذَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَذَا الثَّانِي مُسْتَأْنَفٌ مُرْتَبِطٌ بِمَا بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: لِشَيْءٍ] اللَّامُ زَائِدَةٌ أَيْ وَكَذَا إنْ ذَكَرَ شَيْئًا أَيْ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ كَمَا قَالَهُ تت فَقَوْلُهُ يَذْكُرُهُ تَأْكِيدٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْجُزَيْئَاتِ مِنْ مَا صَدَقَاتُ كَذَا الْأَوَّلِ، فَهِيَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا، وَلَا أَوْجَبَ هَذَا إلَّا جَعَلَهُ كَذَا الثَّانِيَ مُسْتَأْنَفَةً.

وَالْأَحْسَنُ أَنَّ وَكَذَا الثَّانِي مَعْطُوفٌ عَلَى كَذَا الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ أَيُّ شَيْءٍ كَذَا وَكَذَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>