للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَهَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وَتَقْيِيدُنَا بِكُلِّهِ لِبَيَانِ أَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي، وَبِثَابِتِ النَّسَبِ احْتِرَازًا مِنْ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ وَمَقْطُوعِ الذَّكَرِ فَإِنَّ زَوْجَتَهُمَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ وَتُحَدُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ زِنًا.

وَحُكْمُهَا فِي الْعِدَّةِ حُكْمُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُطَلَّقَةُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً صَحِيحًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مَرِيضًا (لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] وَلَا مَفْهُومَ لِصِفَةِ الْإِيمَانِ هُنَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ، إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الطَّلَاقِ لِاخْتِيَارِ حَالِ الرَّحِمِ

ثُمَّ أَشَارَ إلَى الرَّابِعَةِ مِمَّنْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بِقَوْلِهِ: (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ) غَيْرِ الْحَامِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً، أَوْ غَيْرَ مُسْتَحَاضَةٍ (مِنْ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً دَخَلَ بِهَا) الزَّوْجُ (أَوْ لَمْ يَدْخُلْ مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً) كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ.

،

ــ

[حاشية العدوي]

كَالنِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ فِيهِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا [قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ] قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: ٤] أَعَمُّ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: ٢٣٤] إلَخْ أَعَمُّ مِنْ الْحَامِلِ وَغَيْرِهَا فَلِمَ قَضَى عَلَى هَذِهِ بِتِلْكَ وَلَمْ يَعْكِسْ قُلْت وَضْعُ الْحَمْلِ أَدَلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الزَّمَانِ اهـ، وَيُرَدُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلُ الْمُسْتَنِدُ لِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعِ، وَالْعَشْرِ لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ ابْنَ زِنًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مُلْحَقًا بِالزَّوْجِ، وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْضِي أَنَّهُ يَجْرِي فِي ذَلِكَ وَفِيمَا أُلْحِقَ بِغَيْرِهِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي] ، وَكَذَا لَوْ نَزَلَ بَعْضُ الْوَاحِدِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْحَمْلُ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ وَبَقِيَ فِي بَطْنِهَا نَحْوُ عُضْوٍ مُنْفَصِلٍ كَمَا لَوْ تَقَطَّعَ الْحَمْلُ وَتَأَخَّرَ ذَلِكَ، أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي.

وَاسْتَظْهَرَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ بِوَضْعِ حَيَوَانٍ بَهِيمِيٍّ فَإِنْ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ حَلَّتْ بِخُرُوجِ بَاقِيهِ، وَلَوْ قَلَّ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ قَبْلَ خُرُوجِ بَقِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالظَّاهِرُ الِاسْتِئْنَافُ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ بَاقِيهِ أَوْ الْآخَرُ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ زَوْجَتَهُمَا إلَخْ] أَيْ لَا مِنْ مَوْتٍ وَلَا مِنْ طَلَاقٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فِي الطَّلَاقِ وَتَعُدُّ نِفَاسَهَا حَيْضَةً، أَيْ وَلَوْ حَاضَتْ زَمَنَ الْحَمْلِ وَعَلَيْهَا فِي الْوَفَاةِ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْوَضْعِ أَوْ تَمَامُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ فِي الْحُرَّةِ أَوْ الشَّهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فِي الْأَمَةِ

[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا فِي الْعِدَّةِ] ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْعِدَّةِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَالصَّوَابُ حَذْفُ هَذَا [قَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا] أَيْ الْمُطَلِّقُ أَوْ دَخَلَ وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُقِرَّ الزَّوْجَةُ بِهِ، أَوْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ يَنْفِهِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ بُلُوغِ زَوْجٍ وَإِطَاقَةِ زَوْجَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَرْبًا مِنْ التَّعَبُّدِ [قَوْلُهُ: وَلَا مَفْهُومَ لِصِفَةِ الْإِيمَانِ هُنَا] أَيْ فِي قَوْلِهِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالظَّرْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ صِفَةِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ فَيَقُولُ وَلِأَنَّ إلَخْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ

[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً] أَيْ وَتُمَيِّزُ لِمَا سَيَأْتِي [قَوْلُهُ: مِنْ الْوَفَاةِ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُطَلَّقَةً طَلْقَةً رَجْعِيَّةً [قَوْلُهُ: صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً] ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ غَيْرَ مُطِيقَةٍ أَوْ الْكَبِيرَةُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهَا [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيَّةً] أَيْ حَيْثُ كَانَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ مُسْلِمًا دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا أَرَادَ مُسْلِمٌ أَخْذَهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَأَرَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَتَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ [قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ] أَيْ أَوْ فَاسِدٍ مُخْتَلَفٍ فِي فَسَادِهِ وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا بِدُخُولِ زَوْجٍ بَالِغٍ وَهِيَ مُطِيقَةٌ فَتَعْتَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>