للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ نَوْعًا مِنْ أُصُولِ الرِّبَا فَقَالَ: (وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا) رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِالطَّعَامِ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا (إذَا كَانَ شِرَاؤُهُ) أَيْ شِرَاءُ الْمُبْتَاعِ (ذَلِكَ) الطَّعَامِ (عَلَى وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ) ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ هَذَا الْقَيْدِ زِيَادَةَ إيضَاحٍ فَقَالَ: (بِخِلَافِ الْجُزَافِ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا

ــ

[حاشية العدوي]

وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَلْبَانِ صِنْفٌ، وَجَمِيعَ الْأَسْمَانِ صِنْفٌ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مَعَ غَيْرِهَا أَصْنَافٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ جَمِيعِ الْأَلْبَانِ صِنْفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْأَلْبَانِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَلْبَانَ مَعَ الزُّبْدِ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا مَعَ الْجُبْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّبَنَ مَعَ فُرُوعِهِ سَبْعَةٌ: حَلِيبٌ وَمَخِيضٌ وَمَضْرُوبٌ وَجُبْنٌ وَزُبْدٌ وَسَمْنٌ وَأَقِطٌ، وَالصُّوَرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ بَيْعِ الْأَنْوَاعِ بِبَعْضِهَا أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ فَبَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ بِنَوْعِهِ مُتَمَاثِلًا جَائِزٌ يَدًا بِيَدٍ فَهَذِهِ سَبْعٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ، وَالزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ، وَالْجُبْنِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا وَهَذِهِ ثَمَانِ صُوَرٍ، وَكَذَا بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ جَائِزَةً، وَبَقِيَ ثَلَاثُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ وَبَيْعُ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ، وَالْبَاقِيَةُ مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ، وَالْجُبْنِ وَبِالْأَقِطِ وَبَيْعُ الزُّبْدِ بِمَا بَعْدَهُ وَبَيْعُ السَّمْنِ بِمَا بَعْدَهُ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْمَخِيضُ، وَالْمَضْرُوبُ كِلَاهُمَا لَبَنٌ اُسْتُخْرِجَ زُبْدُهُ، فَالْمَخِيضُ الَّذِي يُمْخَضُ فِي الْقِرْبَةِ، وَالْمَضْرُوبُ هُوَ الَّذِي يُعْمَلُ آنِيَةً بِصِنَاعَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنْ الزُّبْدِ اهـ.

وَذَكَرَ أَيْضًا فِي التَّحْقِيقِ عَنْ الْجُزُولِيِّ فِي تَتْمِيمِ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ بَيْعِ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ مُتَمَاثِلًا مَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ أَيْبَسَ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ، وَكَذَا فِي الْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ اهـ. بِالْمَعْنَى وَفِي عَجَّ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ بِالْجُبْنِ، وَلَوْ كَانَ الْجُبْنُ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ؛ لِأَنَّ التَّجْبِينَ نَاقِلٌ. وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الْجُبْنُ مِنْ حَلِيبٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ فَيَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ.

وَقَالَ عج: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ جَوَازُ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ مُتَمَاثِلًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْحَلِيبِ، وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُرَاعَاةٌ لِاتِّحَادِ مَنْفَعَةِ الْجُبْنِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْحَلِيبِ، وَالْمَأْخُوذَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي أَقِطٍ مِنْ حَلِيبٍ بِأَقِطٍ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ وَجْهَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ بِالْأَقِطِ أَنَّ تَجْفِيفَ الْأَقِطِ نَاقِلٌ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ لِذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ الْحَلِيبِ بِالْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجُبْنُ مِنْ الْحَلِيبِ وَمِنْ غَيْرِهِ صِنْفًا وَاحِدًا نَزَلَ الْجُبْنُ مِنْ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ الْجُبْنِ مِنْهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَقِطِ وَفِي مَنْعِ بَيْعِ الزُّبْدِ أَوْ السَّمْنِ بِالْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ نَظَرٌ لِتَبَاعُدِ مَنْفَعَةِ الزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ اهـ.

وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ وَجْهَ إلَخْ يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ عَبْدِ الْبَاقِي أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَخِيضِ أَوْ الْمَضْرُوبِ بِالْأَقِطِ لَا بُدَّ مِنْ التَّمَاثُلِ، وَفِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ الْجَائِزَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُمَاثَلَةِ فِي بَيْعِ كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ السَّبْعَةِ بِمِثْلِهَا، وَكَذَا إذَا بِيعَ الْمَخِيضُ أَوْ الْمَضْرُوبُ بِحَلِيبٍ فَإِنْ بِيعَا بِزُبْدٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ جُبْنٍ أَيْ مِنْ حَلِيبٍ لَمْ تُعْتَبَرْ الْمُمَاثَلَةُ اهـ.

[قَوْلُهُ: مِنْ أُصُولِ الرِّبَا] أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا فَأَنْوَاعُهُ بِانْضِمَامِ هَذَا إلَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلَعَلَّهُ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِهِمْ تَبِعَهُ وَإِلَّا فَالْمَفْهُومُ مِنْ خَلِيلٍ اثْنَانِ فَقَطْ رِبَا الْفَضْلِ، وَالنَّسَاءِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا] أَيْ طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَالِيَّةً كَالشِّرَاءِ مَثَلًا، أَوْ غَيْرَ مَالِيَّةٍ كَأَخْذِ الرَّجُلِ طَعَامًا مِنْ زَوْجَتِهِ فِي مُقَابَلَةِ خُلْعٍ أَوْ إفْتَاءٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَسَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَلَا أُحِبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى خِطَابِهِمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْعَ وَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ الشُّوَنِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إذْ أَصْلُهُ صَدَقَةٌ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَخْ] قِيلَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>