للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحُكْمُهَا الرُّخْصَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ وَمِنْ رُجُوعِ الْإِنْسَانِ فِي هِبَتِهِ وَمِنْ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ بِمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» الشَّكُّ مِنْ شَيْخِ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» وَلَهَا شُرُوطٌ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْعَرِيَّةِ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (وَمَنْ أَعْرَى) فَلَوْ أَعْطَاهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَجُزْ.

ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ أُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (ثَمَرَ نَخَلَاتٍ) وَقَوْلِهِ: (لِرَجُلٍ مِنْ جِنَانِهِ) الرَّجُلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ.

ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيهَا مُعْرِيَهَا أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ.

رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جُمْلَتَهَا لَا بَعْضَهَا وَأُخِذَ هَذَا مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

يَشْتَرِيهَا] ظَاهِرُهُ دُخُولُ حَقِيقَةِ الشِّرَاءِ فِي حَقِيقَةِ الْعَرِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا أَعْرَاهُ عَامَيْنِ مَثَلًا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ الْآنَ قَبْلَ وُجُودِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بَعْدَ الزَّهْوِ كَمَا يَأْتِي، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ الشِّرَاءَ الشَّرْعِيَّ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.

[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الرُّخْصَةُ] أَيْ مِنْ حَيْثُ بَيْعُهَا.

وَقَوْلُهُ: أُصُولٍ أَيْ قَوَاعِدَ مَعْلُومَةٍ وَجَعْلُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ قَوَاعِدَ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا هِيَ الرِّبَا حَرَامٌ [قَوْلُهُ: مِنْ رِبَا الْفَضْلِ] إنْ أُرِيدَ بِالتَّفَاضُلِ تَحَقُّقُهُ نَافَى قَوْلَهُ الْآتِي وَكَانَ بِخِرْصِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِهَا فَهُوَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا بَعْدُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُزَابَنَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُغَالَبَةِ أَيْ الْمَنْظُورُ لَهُ الْمُغَالَبَةُ بِخِلَافِ التَّفَاضُلِ، وَعِبَارَةُ تت مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ رِبَا الْفَضْلِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِيهَا بِنَوْعِهَا كَيْلًا مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ وَالشَّكُّ فِيهَا كَتَحَقُّقِ الْمُفَاضَلَةِ [قَوْلُهُ: وَمِنْ رُجُوعِ الْإِنْسَانِ فِي هِبَتِهِ] لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ مَكْرُوهٌ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُزَابَنَةِ] أَيْ الْمُغَالَبَةِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَكَانَ يَخْرُصُهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ جَذَّهَا فَوَجَدَهَا أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الزَّائِدَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا مُزَابَنَةٌ ابْتِدَاءً وَإِنْ طُلِبَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِرَدِّ الزَّائِدِ بَعْدَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بَيْعٌ] أَيْ بَيْعُهَا بَيْعٌ [قَوْلُهُ: أَرْخَصَ] بِهَمْزَةٍ قَبْلَ الرَّاءِ السَّاكِنَةِ مِنْ الْإِرْخَاصِ [قَوْلُهُ: بِخِرْصِهَا] أَيْ بِكَيْلِهَا [قَوْلُهُ: بِمَا دُونَ] أَيْ فِيمَا دُونَ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ [قَوْلُهُ: أَوْسُقٍ] جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا [قَوْلُهُ: الشَّكُّ مِنْ شَيْخِ مَالِكٍ] هُوَ دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ هَلْ قَالَ شَيْخُهُ أَبُو سُفْيَانَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَبِسَبَبِ هَذَا الشَّكِّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ فَقَصَرَ فِي الْمَشْهُورِ الْحُكْمَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ اتِّبَاعًا لِمَا وَجَدَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَأَقَلَّ عَمَلًا بِالْمُحَقَّقِ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ شَكَّ فِيهَا وَالْعَرَايَا رُخْصَةٌ أَصْلُهَا الْمَنْعُ فَيُقْصَرُ الْجَوَازُ عَلَى الْمُحَقَّقِ.

تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُعْرِي بِالْكَسْرِ وَالْمُعْرَى بِالْفَتْحِ.

[قَوْلُهُ: عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ] بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُرَادُ الرُّطَبُ.

وَقَوْلُهُ: بِالتَّمْرِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ الْيَابِسَةِ [قَوْلُهُ: يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا] أَيْ الْمُشْتَرُونَ الَّذِينَ صَارُوا مُلَّاكًا لِلثَّمَرَةِ أَيْ الْمُعْرَى وَعِيَالُهُ رُطَبًا بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ، وَلَيْسَ التَّقَيُّدُ بِالْأَكْلِ قَيْدًا بَلْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ [قَوْلُهُ: وَلَهَا شُرُوطٌ] أَيْ لِبَيْعِهَا شُرُوطٌ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْعَرِيَّةِ] كَأَعَرْتُكَ وَأَنْتَ مُعْرًى لَا بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ أَوْ الْهِبَةِ وَالْمِنْحَةِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَيْبَسُ] أَيْ بِالْفِعْلِ إذَا تُرِكَتْ، وَلَا يُكْتَفَى بِيُبْسِ نَوْعِهَا وَذَلِكَ كَثَمَرِ نَخْلِ غَيْرِ مِصْرَ لَا ثَمَرِ مَا ذُكِرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَلَا فِي مَوْزٍ وَلَا رُمَّانٍ وَلَا تُفَّاحٍ لِأَنَّهَا لَا تَيْبَسُ.

وَقَوْلُهُ: يُدَّخَرُ الْمُرَادُ إنَّ شَأْنَ الْيَابِسِ أَنْ يُدَّخَرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِادِّخَارِ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: أُخِذَ هَذَا إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ قَدْ لَا يَيْبَسُ كَنَخْلِ مِصْرَ [قَوْلُهُ: مِنْ جِنَانِهِ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اُنْظُرْ هَذَا هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ أَعْرَى لَهُ ثَمَرَ الْجِنَانِ كُلَّهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ أَمْ لَا وَهَذَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعِلَّةِ هَلْ هِيَ الضَّرُورَةُ أَوْ كَفَّارَةُ الْمُؤْنَةِ؟ .

وَقَالَ ق: قَوْلُهُ مِنْ جِنَانِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَعْرَى لَهُ نَخَلَاتٍ مُتَفَرِّقَةً مِنْ جِنَانِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهَا بِخِرْصِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ اهـ[قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيهَا مُعْرِيَهَا أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>