للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَجْرٌ فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ وَلَا عَبْدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.

الثَّانِي: الْمُسْتَعِيرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِالْمُسْتَعَارِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ.

الثَّالِثُ: الْمُسْتَعَارُ وَشَرْطُهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي تَبَرَّعَ الْمُعِيرُ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ قَرْضًا لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا، وَالْآخَرُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً فَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ.

الرَّابِعُ: مَا بِهِ تَكُونُ الْإِعَارَةُ نَحْوُ أَعَرْتُك وَخُذْ هَذَا عَارِيَّةً أَوْ أَعِرْنِي فَيَقُولُ: نَعَمْ أَوْ يُومِئُ بِرَأْسِهِ.

وَحُكْمُهَا النَّدْبُ وَتَتَأَكَّدُ فِي الْقَرَابَةِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْحَابِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧] وَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ يُقْضَى وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» الْمِنْحَةُ الشَّاةُ الْمُسْتَعَارَةُ لِيُنْتَفَعَ بِلَبَنِهَا ج: وَمُؤَدَّاةٌ مَضْمُونَةٌ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ دِرْعَهُ فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: لَا بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً» .

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ) ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (يَضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ) إلَّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

[قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدٌ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ] أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِالْأَعْوَاضِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْعَارِيَّةِ إلَّا مَا كَانَ اسْتِئْلَافًا لِلتِّجَارَةِ، وَعَارِيَّةُ الزَّوْجَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَبَاطِلَةٌ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَارَةِ لَا قِيمَةُ ذِي الْمَنْفَعَةِ.

[قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمُسْلِمِ] أَيْ إعَارَةُ الْغُلَامِ الْمُسْلِمِ لِخِدْمَةِ الذِّمِّيِّ وَلَا يَرِدُ أَنَّ هِبَةَ ذَاتِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ مَمْنُوعَةٌ ابْتِدَاءً وَمَاضِيَةٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ لَمَّا أُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ بِخِلَافِ هِبَةِ مَنْفَعَتِهِ أَوْ إعَارَتِهِ فَيَغْلِبُ فِيهِ قَصْدُ الْإِذْلَالِ، وَقِيلَ: بِالصِّحَّةِ وَتُبَاعُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

[قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَطْعِمَةِ] فَإِذَا أَعَارَهُ إرْدَبًّا مِنْ الْقَمْحِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَعَرْتُك هَذَا الْإِرْدَبَّ مَثَلًا فَتِلْكَ إعَارَةٌ بَاطِلَةٌ، فَلَا يَلْزَمُ الْمُعِيرَ دَفْعُ ذَلِكَ الْإِرْدَبِّ لِلْمُسْتَعِيرِ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَخْ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةٌ، وَلِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا تَكُونُ قَرْضًا أَيْ وَحَيْثُ إنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا قَرْضًا فَيَضْمَنُهَا الْآخِذُ لَهَا وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْهَلَاكِ وَلَوْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ، وَمُفَادُ هَذَا الْحَصْرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعَارَتُهَا لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ.

[قَوْلُهُ: فَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ] أَيْ أَوْ الزَّوْجَةُ لِذَلِكَ، وَكَذَا لَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِخِدْمَةِ بَالِغٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ لِمَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ فَرْعُ الْمِلْكِ وَمِلْكُهَا لَا يَسْتَقِرُّ لِمَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُعِيرَتْ الْأَمَةُ أَوْ الْعَبْدُ لِمَنْ يُعْتَقَانِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الْعَارِيَّةُ وَيَمْلِكَانِ خِدْمَتَهُمَا تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْلِكُهَا السَّيِّدُ وَلَا الْمُسْتَعِيرُ، وَأَمَّا عَارِيَّةُ الْمَرْأَةِ لِامْرَأَةٍ مِثْلِهَا أَوْ لِصَبِيٍّ أَوْ لِمَحْرَمِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ.

[قَوْلُهُ: نَحْوُ أَعَرْتُك] أَيْ وَيَقْبَلُ الْآخَرُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ كَمَا تَكُونُ بِالْقَوْلِ تَكُونُ بِالْفِعْلِ الَّذِي تُفْهَمُ مِنْهُ، ثُمَّ إنْ قُيِّدَتْ بِزَمَنٍ فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِهَا لَهُ وَإِلَّا فَاللَّازِمُ مَا تُعَارُ لِمِثْلِهِ.

[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا] أَيْ الْأَصْلُ النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ كَمَنْ مَعَهُ شَيْءٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَطَلَبَهُ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْهَلَاكُ بِتَرْكِهِ كَكِسَاءٍ فِي زَمَنِ شِدَّةِ بَرْدٍ، وَالْحُرْمَةُ إذَا كَانَتْ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَالْكَرَاهَةُ إذَا كَانَتْ تُعِينُ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ، وَالْإِبَاحَةُ إذَا أَعَارَهَا غَنِيًّا.

[قَوْلُهُ: وَتَتَأَكَّدُ فِي الْقَرَابَةِ وَالْجِيرَانِ] أَيْ وَتَتَأَكَّدُ فِيمَا قَلَّ أَيْضًا كَالْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالدَّلْوِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ تَتَأَكَّدُ مِنْ حَيْثُ حُكْمُهَا وَهُوَ النَّدْبُ وَلَوْ قَالَ وَيَتَأَكَّدُ أَيْ النَّدْبُ لَكَانَ أَوْضَحَ.

[قَوْلُهُ: مَضْمُونَةٌ] وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَرْدُودَةٌ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: مَرْدُودَةٌ] أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا لِأَرْبَابِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الِاسْتِعَارَةِ، وَقَوْلُهُ: وَالدَّيْنُ يُقْضَى أَيْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ.

وَقَوْلُهُ: «وَالزَّعِيمُ أَيْ الْكَفِيلُ أَيْ الضَّامِنُ غَارِمٌ» .

وَقَوْلُهُ: مَضْمُونَةٌ أَيْ يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ إذَا ادَّعَى تَلَفَهَا مَثَلًا وَكَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.

[قَوْلُهُ: اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ] أَيْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: دِرْعُهُ] قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: دِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الدِّرْعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

[قَوْلُهُ: يَضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ] لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ لَا تَنْقُصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>