للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ لِغَيْرِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ. وَالسُّنَّةِ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ الَّذِينَ خَاضُوا فِي الْإِفْكِ الْحَدَّ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَهُ شُرُوطٌ عَشَرَةٌ اثْنَانِ فِي الْقَاذِفِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَسِتَّةٌ فِي الْمَقْذُوفِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِفَّةُ عَمَّا رُمِيَ بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ آلَةُ الْوَطْءِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ، وَاثْنَانِ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِوَطْءٍ يَلْزَمُ بِهِ الْحَدُّ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطُ أَوْ نَفْيِ نَسَبِ الْمَقْذُوفِ عَنْ أَبِيهِ فَقَطْ.

وَبَدَأَ بِمَا يُوجِبُ الْقَذْفَ فَقَالَ: (وَعَلَى الْقَاذِفِ الْحُرِّ) الْبَالِغِ الْعَاقِلِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَلَوْ سَكْرَانًا أَوْ أَبًا (الْحَدُّ ثَمَانِينَ) جَلْدَةً (وَعَلَى الْعَبْدِ) يَعْنِي جِنْسَهُ الصَّادِقَ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا

ــ

[حاشية العدوي]

لُغَةً فَهُوَ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الرَّمْيِ بِالْمَكَارِهِ وَالْقَذْفُ مِنْ الْكَبَائِرِ.

[قَوْلُهُ: مَا يَدُلُّ] أَيْ شَيْءٌ يَدُلُّ أَيْ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِشَارَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ، وَعَطْفُ اللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزِّنَا أَعَمُّ مِنْ اللِّوَاطِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، فَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا لِلتَّشْكِيكِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ، وَمُرَادُهُ بِالْجَدِّ الْجَدُّ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا. وَقَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْمَجْهُولِ بِالْجِيمِ احْتِرَازًا بِذَلِكَ مِنْ الْمَجْهُولِ كَالْمَنْبُوذِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ مُعَيَّنٍ لَكِنْ يُؤَدَّبُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَحْمُولُ بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَسْبِيِّ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ. أَوْ قَالَ لَهُ: يَا وَلَدَ الزِّنَا لِأَنَّ الْمَحْمُولِينَ لَا تَثْبُتُ أَنْسَابُهُمْ وَلَا يَتَوَارَثُونَ.

[قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤]] الْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ هَاهُنَا الْعِفَّةُ.

[قَوْلُهُ: خَاضُوا فِي الْإِفْكِ] الْإِفْكُ هُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَذِبِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ الَّذِينَ رُمُوا السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ بِالزِّنَا الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ.

[قَوْلُهُ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ] فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إذَا قَدَفَا غَيْرَهُمَا.

[قَوْلُهُ: وَسِتَّةٌ فِي الْمَقْذُوفِ إلَخْ] لَكِنْ إنْ كَانَ بِنَفْيِ نَسَبٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ فَقَطْ، فَالْكَافِرُ وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِمَا بِنَفْيِ النَّسَبِ مَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَا الرَّقِيقِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَإِلَّا حُدَّ لَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا مُسْلِمًا وَأُمُّهُ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا بِالزِّنَا فَيُزَادُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْعِفَّةُ وَالْآلَةُ.

[قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] يُرِيدُ إذَا كَانَ فَاعِلًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَفْعُولًا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بَلْ إطَاقَةُ الْوَطْءِ فَقَطْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.

[قَوْلُهُ: وَالْعِفَّةُ عَمَّا رُمِيَ بِهِ] أَيْ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَهُوَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ، فَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا ثُمَّ أَثْبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ حُدَّ فِيهِ أَيْ وَإِنْ تَابَ، وَكَذَا إنْ زَنَى بَعْدَ أَنْ قُذِفَ وَقَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ. فَقَوْلُنَا: وَعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلْوَطْءِ رَأْسًا، وَأَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبًا لِوَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ إذْ هُوَ فِيهِمَا عَفِيفٌ عَمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ وَعَلَى الْمَقْذُوفِ أَنْ يُثْبِتَ الْعَفَافَ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ] أَيْ كَمَقْطُوعِ الذَّكَرِ إنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا بَعْدَ إزَالَةِ الْآلَةِ، فَإِنْ قَيَّدَ زِنَاهُ بِهَا قَبْلَ قَطْعِهَا حُدَّ عَلَى مَا يَظْهَرُ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ إذَا قَذَفَ خُنْثَى مُشْكِلًا بِالزِّنَا بِفَرْجِهِ الذَّكَرِ أَوْ فِي فَرْجِهِ الَّذِي لِلنِّسَاءِ فَلَا حَدَّ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا زَنَى بِهِمَا فَلَا حَدَّ فِيهِ، وَإِنْ رَمَاهُ بِأَنَّهُ أُتِيَ فِي دُبُرِهِ حُدَّ رَامِيهِ لِأَنَّهُ إذَا زَنَى بِهِ حُدَّ حَدَّ الزِّنَا لَا اللِّوَاطِ.

[قَوْلُهُ: عَنْ أَبِيهِ فَقَطْ] أَيْ أَوْ عَنْ جَدِّهِ كَقَوْلِهِ: لَسْت ابْنَهُ فَيُحَدُّ وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت لَسْت ابْنَهُ مِنْ الصُّلْبِ لِأَنَّ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَبًا فَلَا يُصَدَّقُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْ لَا عَنْ أُمِّهِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ مُحَقَّقَةٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ.

وَأَمَّا الْأُبُوَّةُ فَثَابِتَةٌ بِالظَّنِّ فَلَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ فِي نَفْيِهِ فَتَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَعَرَّةٌ.

تَنْبِيهٌ:

يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِنَفْيِ نَسَبِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَنْ أَبِيهِ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا.

[قَوْلُهُ: مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا] وَلَوْ حَرْبِيًّا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَرْبِيِّ إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا بِبَلَدِ الْحَرْبِ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>