للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمن لا امانة له- وقال بعضهم هى أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق على كل مؤمن ان لا يغش مؤمنا ولا معاهدا فى شىء قليل ولا كثير وهى رواية الضحاك عن ابن عباس- ومرجع هذه الأقوال ان الامانة هى التكليفات الشرعية والمراد بالسماوات والأرض أعيانها قال البغوي هذا قول ابن عباس وجماعة واكثر السلف والعرض بالخطاب اللفظي قال البغوي قال الله تعالى لهن أتحملن هذه الامانة بما فيها قلن وما فيها قال ان احسنتن جوزيتن وان عصيتن عوقبتن فقلن لا يا رب نحن مسخرات لامرك لا نريد ثوابا ولا عقابا- قلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله ان لا يتادى منهن حقه لا معصية ومخالفة وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما ولو الزمهن لم يمتنعن من حملها- وقيل المراد بالعرض الخطاب اللفظي وبالسماوات والأرض والجبال أهلها كما فى قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ اى أهلها دون أعيانها- وقيل المراد بالسماوات والأرض والجبال أعيانها وبالعرض اعتبارها بالاضافة الى استعدادهن وبآبائهن الآباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا ما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وعلى هذا يحسن ان يكون هذان الصفتان باعثتين للحمل عليه قال البيضاوي لعل المراد بالامانة العقل او التكليف ومن فوائد العقل ان يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدّى ومجاوزة الحدود الشرعية ومعظم مقصود التكليف تعديلها وكسر شوكتها وايضا قال البيضاوي هذه الاية تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة وسماها امانة من حيث انها واجبة الأداء والمعنى انها لعظم شأنها بحيث لو عرضت على الاجرام العظام وكانت ذات شعور وادراك لابت ان تحملها وأشفقت منها وحملها الإنسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي بها والقائم بحقوقها بخير الدارين قلت ونظيره قوله تعالى لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فهذه الاية على هذا التأويل كانه مثل ضرب وهذان القولان يعنى قول من ارتكب التجوز فى لفظ السماوات ونحوها وقول من ارتكب التجوز فى العرض والخطاب مبنيان على استبعاد الخطاب مع الجمادات فقال بعضهم فى دفع هذا الاستبعاد انه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال انى فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني ونارا لمن عصانى فقلن نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة ولا نبغى ثوابا- ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فتحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله

<<  <  ج: ص:  >  >>