للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحزم على ذلك أمتن عهد وميثاق، ونبّهه من غفلته، وأيقظه من رقدته، فجبت في طلب العلم الأقطار، وأخذت عمّن قدرت عليه من أهل الأمصار، ورأيت من الواجب أن أضع لهم ديوانا يعرّف بأحوالهم ليوصل به إلى المقصود، فإن قيل: «وأنّى يجب ذلك وقد حقق (١١) شيخكم شيخ الإسلام أنه لا يحتاج في معرفة قبول الحديث ورده إلى إسناد خاص بيننا وبين أئمة الحديث الأعلام في كتبهم المشهورة، كسنن أبى داود [و] جامع الترمذي [و] صحيح ابن خزيمة [و] سنن الدار قطني ونحوها لقطعنا بأنها مصنفاتهم: هذا على مذهب شيخكم، وأما على مذهب ابن الصلاح فالأمر أبعد لأنه سد باب التصحيح في هذا الزمان.

قلت: بل نحتاج إلى ذلك على الرأيين معا، أمّا على رأى شيخنا فبالنسبة إلى الأجزاء المنشورة والكتب التي ليست مشهورة (١٢)، وأما على الرأيين معا فبالنسبة إلى معرفة الانقطاع والإعضال وغير ذلك من صفات الإسناد الموجبة لضعف ما بيننا وبين المصنفين منه أو صحته أو حسنه، فإن ابن الصلاح لم يمنع تصحيح الأحاديث النبوية، فإنّه قال: «إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنّا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته»، إلى أن قال: «وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة، زادها الله شرفا، آمين». انتهى.

وأيضا فهو إنما منع من الجزم بالحكم بالصحة ومفهوم تقييده بالجزم أنه لا يمنع إطلاق الصحة أو الحسن في غلبة الظن ونحو ذلك، ولا الجزم بالحكم بالضعف، وفي كل من ذلك فوائد لا تخفى، فيصير ذلك الكتاب حكما لمن يعد مصنّفه في الجزم لشخص من الناس يسافر إلى بلد ادعى بعض أهلها أنه


(١١) في تونس «حق».
(١٢) عبارة «والكتب التي ليست مشهورة» مكرّره في السليمانية سهوا من الناسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>