للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على الإقبال والتفهّم، ونظم في سنة أربع وخمسين قراءة أبى عمرو بن العلاء في نحو خمسمائة بيت في نحو «الشاطبية» وقافيتها ورويّها؛ ثم مرض في أواخر سنة خمس وخمسين مرضة أشفى منها على الموت وطالت به فرأى بعد العاشر منها أنه في الروضة الشريفة بالمدينة الشريفة وأنّه أتى إلى مصلّى النبي فرفع السّتر عنه وشرع يقبّله ويمرغ وجهه عليه، ثم استيقظ.

وفي الليلة الثانية من ذاك غاب عن هذا الوجود وظن أهله أنه أخذ في مقدمات الموت واستداروا به (٢٤٦) [نحو القبلة]، فرأى في تلك الغيبة أنه في الروضة الشريفة أيضا وأن النبي جالس بها مسندا ظهره للداربزين (٢٤٧) القبلي (٢٤٨) الشمالي وهو مستقبل المنبر وعليه عمامة سوداء، فأتى إليه وقبّل يده المباركة ثم تأخر ووقف بين يديه وهو يبتسم، [فقال له]: أتحبّ الآخرة أم الدنيا؟ [قال] فقلت: الآخرة يا رسول الله ولكن لم أقض في الدنيا وطري من الخير، ولم أعش زمنا استكثر فيه من الطاعات، فقال: كم تريد من العمر؟ فقلت: أربعين سنة أخرى أصرفها في التصنيف في العلم؛ فسكت وإذا ورقة قد نزلت من السّماء بيني وبينه فتناولها ودفعها إلىّ وقال «إن الله وهبك أربعين وزادك عشرين!» فوضع البرهان الورقة في رأسه واستيقظ فلمس ذلك الموضع من عمامته فلم يجدها فقال: «أين الورقة؟» فسألوه عن ذلك فحدّثهم فسروا به، وأخذ في العافية من ذلك الوقت.

ولمّا عوفي يسّر الله له قواعد ابن هشام المسمّاة «بالإعراب عن قواعد الاعراب» شرحها شرحا مزدوجا فيه المتن فجاء في نحو عشرة كراريس، ونظم «النخبة» في نيف ومائة بيت، ثم شرع في كتاب في الفقه يذكر فيه اختلاف مذاهب الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي، فوصل فيه إلى سجود السهّو.

ثم رحل إلى القاهرة في شعبان سنة ستّ فدار على مشايخ القاهرة كالعلم البلقيني والجلال المحلىّ والزين الأبوتيجى والسّعد الدميري والأمين الأقصرائى وأبى الفضل المغربي وغيرهم، فبحث في الفقه والفرائض والحساب والتفسير والأصلين، وكتب له


(٢٤٦) أضفنا ما بين المعقوفتين ليتضح المعنى.
(٢٤٧) الداربزين: جزء رخامى أو سياج حديد أو حاجز صلب عالي عن الأرض انظر: Dozy:op.cit ، ج ١، ص ٤٣٠.
(٢٤٨) هكذا «القبلي والشمالي» في تونس والسليمانية والواجب أن تكون إحدى الجهتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>