للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آخر عمره خيرا عن أوّله ولا يموت إلا مستورا، فكفّ (٣٠٢) بعد خمسة أشهر، وأنه قرأ بمصر القرآن على صدر الدين السفطى شيخ الآثار، وتلا عليه بالسّبع وعلى الشيخ مظفر المقرئ والشيخ خليل المشبب (بمعجمة مفتوحة وموحّدين، الأولى ثقيلة مكسورة) والشيخ شمس الدين العسقلاني إمام جامع طولون، ولازمه كثيرا، وسمع عليه الشاطبيين وأنه حفظ «العمدة» و «المنهاج» و «الشاطبية» وعرضهم على السراج البلقيني والبرهان الانباسى والعزّ بن الكويك وأجازوا له، ثم حفظ «الكافية الشافية» لابن مالك وهو يحفظها إلى الآن؛ وأنه بحث في الفقه على الشيخ شمس الدين بن القطان وغيره، وسمع دروسا في النحو على الشيخ شمس الدين الغماري، وحجّ سنة أربع عشرة وجاور (٣٠٣) سنتين بعدها، ودخل اليمن وأقرأ بتعزّ وسافر إلى طرابلس.

اجتمعت به يوم الأحد ثالث عشرى جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثمانمائة بمنزله بخط فندق الرز من مصر تجاه المقياس. وكنت أسمع عنه أنّه شديد البخل بإفادة هذا العلم وبالإجازة والرواية حتى إن حافظ العصر سأله أن يجيز بعض تلامذته فامتنع، وكان معي جماعة فسلمنا عليه وألنّا له المقال وتعطفناه برهة ثم سألناه الإجازة فامتنع، فشرعنا نذكر له ما في ذلك من الخير من جهة إن الانسان إذا روى عنه اجتمع اسمه مع اسم النبي في نحو سطرين، وإذا انتظم في هذه الدار معه في سلك رجى أنه لا ينفك عنه في الدار الأخرى، وأنّ الله تعالى حثّ على التبليغ وذم الكتمان بقوله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ (٣٠٤) الآية؛ وأن النبي قال: «بلغوا عنى ولو آية»، وأنه قال «من علم علما وكتمه ألجمه الله بلجام من نار» ونحو هذا، فأصرّ على الامتناع، فسألته عن المانع له من ذلك فلم يبد عذرا. ولم يزد على قوله «ما أقع في هذا»، وقلت له. «أليس هذا خيرا؟ فأقرّ به مع الامتناع، وتكرّر ذلك منّا ومنه، وكلما زدنا خضوعا زاد إباء فعلمت أن ذلك إنما هو مجرّد حرمان له لسوء باطنه فقلت له: «أنت شيخ قد أعمى الله بصيرتك كما أعمى بصرك، وفارقناه»، وقد فاته خير كثير.


(٣٠٢) جاء في «الضوء» ج ١١، ص ٢٤، «فكف وسنه خمسة أشهر».
(٣٠٣) ووردت بعد جاور كلمة غير مقروءة في السليمانية وتونس.
(٣٠٤) آل عمران ٣/ ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>