للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد مدة ادعى أنه نبي، قال: فركبت إليه ليلا إلى سكنه بالبدرمان (١) من بلاد الصعيد، فوصلت إليه عند طلوع الشمس، فناديته من خارج بيته، فقال من داخله: جيت لك يا قاضي بكري يا أعور، ثم خرج إليّ فإذا رجل طويل صافي الأدمة، كث اللحية، صادق بياض العينين، مقرون الحاجبين، وبيده عصا ثخينة جدا طويلة. قال: فقلت له: كيف تكذب على الله وتدعي أنك نبي، ولا نبي بعد محمد بن عبد الله--ولا رسول، فقال لي: أنا نبي، وجاءتني فاطمة بنت النبي من السماء ومعها الملائكة، وأخبروني أنك آت إليّ لتضرب رقبتي، ومعك قجا (٢) الكاشف. قال: ثم ضربني بالعصى على كتفي وأضلاعي ضربة قوية، ثم أراد أن يضرب الثانية ففررت. ثم كتبت إلى ابن الأحدب: إنك غريم الله ورسوله إن لم ترسل إليّ هذا الرجل. فأحضرته، قال: فضربته ضربا كثيرا وقيدته وسلسلته، وحبسته مدة يعالج فيها بإطعام الأدهان ونحوها، فرجع إليه عقله وتاب فحسنت توبته، واستمر على الذكر والعبادة إلى أن مات .

قال: وفي حدود سنة أربع وثمانمائة، جاء شخص اسمه جلال إلى الشيخ إبراهيم بن زقاعة، فأخذه ليشفع عند الناصر فرج (٣) في قضية، وأركبه على فرس فحل حبشي عال، أصفر معصم بسواد، حسن المنظر. قال النجم: فأعجبني ذلك الفرس جدا، فقلت للشيخ: هذا الفرس لمن؟ فقال: هذا لمن سيصير ملكا. قال: فسألت عنه، فقيل: لجقمق (٤) أخي شركس. ثم لم تمض إلا أيام حتى تسلطن جقمق أوائل سنة ٨٤٢ هـ، مع أنه كان يظهر العزلة قبل ذلك، والتغاضي الزائد، والتغفل عن أحوال الناس، والتعاطي للأسباب التي تقلل الهيبة، وعنده تواضع زائد، وأحوال تنافي أحوال الملوك. فلما ولي لم يوجد أشد من أفعاله في الحروب ولا أشجع ولا أهيب، مع أنه لم يتغير عن تواضعه وخيره.


(١) من القرى القديمة بمصر-مركز ملوي-بمحافظة أسيوط الآن. انظر: القاموس الجغرافي ق ٢ ج ٤/ ٦١.
(٢) ساقط من السليمانية.
(٣) هو: الملك الناصر فرج بن برقوق، أحد سلاطين المماليك الجراكسة، (٨٠١ هـ،٨١٥ هـ). انظر عنه: إنباء الغمر ٢/ ٥٣٠؛ المنهل الصافي ٨/ ٣٧٩ - ٤٠٢؛ الضوء اللامع ٦/ ١٦٨؛ بدائع الزهور ج ١ ق ٢/ ٥٣٦.
(٤) هو: الملك الظاهر جقمق العلائي الظاهري أحد سلاطين المماليك الجراكسة، ولي السلطنة سنة (٨٤٢ هـ - ٨٥٧ هـ). انظر: المنهل الصافي ٤/ ٢٧٥ - ٣١٢؛ حوادث الدهور ١/ ٣٩٣ - ٣٩٦؛ الضوء اللامع ٣/ ٧١ - ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>