وهذه البلاد، واجتمع في تلك البلاد بأكابر من العلماء منهم بهراة: جمال الدين الواعظ، والشيخ جلال الدين القايني (١)، وولد الشيخ سعد الدين التفتازاني.
ثم رجع إلى القدس فأقام بها مدة، ثم رحل إلى الروم يسلك بالناس التصوف، وأقام بها ثلاث سنين ولم يتردد إلى أحد، وتردد إليه الناس الأكابر ومن دونهم، وطلبه السلطان مراد بك بن عثمان فلم يذهب إليه، فأتاه، فاختفى منه ولم يجتمع به، ثم رجع إلى القدس فأقام بها.
وكان بينه وبين الملك الظاهر جقمق صحبة أكيدة وهو أمير، وبشره بالملك فوعده أنه إن ولى السلطنة يعمر له زاوية في القدس، فلما ولى لم يوف بذلك. فانقطع الشيخ زين الدين عن الناس جملة، وبجامع ميدان القمح ظاهر باب القنطرة.
وهو شيخ حسن منور، عليه سمت الخير والصلاح، وعنده سلامة فطرة، ويقع له مكاشفات ومراءاة عجيبة، ونظم كثيرا، منه ما أنشدنيه يمدح الشيخ زين الدين الشافعي:
[الطويل]:
فقم واغتنم خيرا يعز بعصرنا … وسلم له الأحوال في السر والجهر
فقد جلت في الأقطار ثم بستة … كمثل لزين الدين لم ألق في النحر
كنت سألته أن يذكر أحوال رحلته والبلاد التي دخلها، والأشياخ الذين اجتمع بهم، فاعتذر بأن ذلك يطول جدا وأملانى ما تيسر ذكره هنا، ثم بسط لذلك وابتدأه- أعانه الله على إكماله-وذكر في أوله سؤالي له ذلك في أبيات: [الطويل]
رويدك يا حادي مطايا أحبتى … ترفق بحالي كي أترجم رحلتي
على رحلة مشحونة بغرائب … كبحر تبدى منه كل عجيبة
في بطن أمي بشرتنى بخرقة … تشير إلى قربى من الله خرقتى
فبشرها بالخير والسير والدي … وقد أخبرتني ذاك من بعد نشأتى
يشير إلى أن والده قال حين وضعته أمه: أبشرى، إن هذا الولد يكون صالحا ويكون كثير الأسفار.
(١) نسبة إلى بلدة قاين، بعد الألف ياء مثناة من تحت وآخره نون، بلد قريب من طبس بين نيسابور وأصبهان. انظر: معجم البلدان ٤/ ٣٠١.