للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحصلت بيني وبينه صحبة. ثم انتقلت أنا إلى القدس، ثم القاهرة وحالت بيننا صحارى البعد وفيافى البين، وطال الأمد وما زلت ذاكرا له سائلا عنه متشوقا إلى لقائه، حتى اجتمعنا في سنة ستين وثمانمائة بالقاهرة، فإذا هو قد سافر بعد ذلك إلى الروم مرتين، وأقام نحو عشرين سنة وتعلم لسانهم، وحضر فتح ورنة وكوشوا (١) وقسطنطينية المشهورة الآن باصطنبول. وبحث في الفنون على عدة علماء هناك، منهم الشيخ فخر الدين الرازي وكان أعلم من في تلك الديار.

أنشدني من لفظه لنفسه، يوم الأحد ثاني شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وثمانمائة في مسجدى من رحبة باب العيد (٢) بالقاهرة، قصيدة مدح الزين أبا بكر ابن مزهر (٣) وكان إذ ذاك ناظر الإصطبل والجوالى أولها:

ثوى بين أحشائى هوى غاده لها … قوام كغصن البانة الخضل (٤) النضر

ووجه مضيء شفّ عنه لثامه … كما شف رقراق الغمام عن البدر

أقام شعاع الشمس فوق جبينها … براعمه ما اسودّ من ليله الشعر

ومن خدها المحمر في كل مهجة … أفاعيل تقطيع الفؤاد على الجمر

ومن ثغرها راح إذا ما رشفتها … قضيت على عقلي جعلك بالسكر

وإن أومضت برق الثنايا تبسما … حسبت ثناياها حبابا على خمر

إذا ما رنت أهدت لقلب شوت به … شهابا وراستها بخافية السحر

فاصمت بها مغرى حليف صبابة … يطارح في الظلماء نائحة القمر

إذا ما شدت ملت مراسيل أدمعى … فساجل صوبا هلّ من وابل القطر

أناجى هموما شاورتنى وغادرت … فؤادي صريع البحر في ربقة الأسر


(١) في الضوء اللامع ٥/ ١٩٩: لوشا.
(٢) هذه الرحبة كان أولها من باب الريح-وهو أحد أبواب القصر-وإلى خزانة البنود، وكانت رحبة عظيمة في الطول والعرض، غاية الاتساع، وقد ظلت خالية من البناء إلى ما بعد الستمائة من الهجرة حيث اختط فيها الناس الدور والمساجد. انظر: الخطط المقريزية ٣/ ١٤٩.
(٣) هو: أبو بكر بن محمد بن محمد بن أحمد، الزين بن البدر بن البدر الأنصاري الدمشقي، ولد في رجب سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، وولى العديد من الوظائف كنظر الإسطبل والجوالى المصرية ثم الشامية. توفى يوم الخميس سادس رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة. انظر: الضوء اللامع ١١/ ٨٨ - ٨٩.
(٤) الخضل بالفتح: الندى، وقيل كل شئ ندى يرشف، وشئ خضل ككف رطب. انظر: تاج العروس، مادة (خضل).

<<  <  ج: ص:  >  >>