للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقيته في دكانه بالكعكيين (١) من القاهرة في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثمانمائة، وهو شيخ هم، ردئ الهيئة والمنظر، يحسبه من يراه لا يحسن الكلام المتعارف، فإذا نطق كان كالبحر وأتى بالغرائب، باعه في الأدب طويل ومادته واسعة وذوقه نهاية، وهو يرتزق ببيع الكعك، وله همة حسنة وعنده شرف.

أنشدني هاهنا فأعطيته شيئا فما أجده إلا بعد مراجعة كثيرة، وأنشدني في التاريخ لنفسه مضمنا:

ولمّا أنعمت ليلى بليل … بطيب الوصل مذ شط المزار

حديث خرافة يا أم عمرو … كلام الليل يمحوه النهار

وأنشدني كذلك مقتبسا:

عيون الحب ما للكحل فيكم … وما للسحر في الأجفان سار

تبارك من توفاكم بليل … ويعلم ما جرحتم بالنهار

وأنشدني كذلك زجلا:

من نحبو جار على ضعفي … نصطبر والصبر لي أجمل

وإن لم اتصبر عليه وإلا قل … لي أيش في يدي ما نعمل

صدفه صبتو قلت لو باللّه … يا من أحرم ناظرى يغفى

في التميم نشتهي قبلة … يا من اختار بالجفا خلفي

قال: وأنا منك نريد خصلة … أن تبين للأنام ظرافى

قلت: قست الغصن لا قدك … صبت قدك في القياس أعدل

والصباح من نور ضيا فرقك … والظلام من سعدك المسبل

قال لي: قست الغصن لا قدى … قلت: أنا أخطيت في قياس قدك

قل وقلت: البدر يشبهني … قلت: سامح بالخطا عبدك

قال: نريد أن نهجرك حتى … أن نقيف يا عبد في حدك

قلت: أيش الذنب يا ولدى … قل لي: باللّه وأيش تريد تعمل


(١) الكعكيين: شارع الكعكيين، أوله آخر شارع الغورية عن يسار الذاهب إلى العقاديين، وآخره أول شارع الباطلية. انظر: الخطط التوفيقية ٢/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>