للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولد في شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ في ترف زائد ونعمة سابغة، وكانت له ثروة ظاهرة وأوقاف كثيرة جدا حتى إنّ غلته تزيد على عشرة دنانير في كل يوم، ومع ذلك كان لا يزال في دين كثير، يقتنى الكتب النفيسة بالخطوط المنسوبة والجلود الفاخرة وغير ذلك من الآلات البديعة، ويشترى القطع المنسوبة الخط.

واشتغل في الفنون فبرع وتفقّه على مذهب أبي حنيفة، وأكثر النظم في التاريخ والأدبيات، وقال الشعر الجيد، وكان ذا ذهن وقاد مع (السّمن الخارج عن الحد) حتى أنه يقترح لأصحاب الصنائع أشياء في فنونهم فيقرون بأنه أحسن مما كانوا يريدون عمله.

وهو أفكه الناس محاضرة، وأحلاهم نادرة، وأبشّهم وجها، وأظهرهم وضاءة، عنده من لطافة الصفحات بقدر ما عنده من ضخامة الذات، وله وجاهة عند الأكابر، وقطن القاهرة والقدس ودمشق: وتوفى بالقاهرة بالطاعون ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وحمل جنازته ثمانية أنفس منهم أربعة بالخشب الذي يسمونه أقوابا (٢٨٣)، .

لقيته بعد سنة ثلاثين وهلم جرا، وأخبرني أنه سمع على الشمس ابن الجزري في حديث قص الأظفار، وسمع على القبابى، وأجاز باستدعائى وشافهنى بالإجازة.

وأنشدني يوم السبت سابع عشر رجب سنة سبع وثلاثين بالقاهرة لنفسه:

تسلطن ما بين الأزاهر نرجس … بما خصّ من إبريزه ولجينه

فمدّ إليه الورد راحة مقتر … وأعطاه تبرا من قراضة عينه

وهو القائل في كتابة بأبيض على أحمر:

تأمل ترى محمرّ طرسى وخطّه … بأبيض كالدّر النّقى المنضّد

كأن سطورى في اشتياق حروفها … دموع سرور فوق خدّ مورّد


(٢٨٣) القبا نوع من الشجر، راجع تاج العروس للزبيدى ج ١ ص ٣٨٦ مادة «قاب».

<<  <  ج: ص:  >  >>