للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصار كلما أمره بشئ لا يخالفه، وخدمه بالجوارى الحسان والأموال الكثيرة سيما وهو فى السجن، وكان بشّره بأنه يصير إليه الأمرأى يتسلطن، فلما خلص من السجن وولى نيابة حلب ازداد حبه له جدا وخدمه الخدمة النامة، وكان صاحب الترجمة اجتمع على حبه الخدام الأكابر ببيت السلطان كمثقال (١) الحبشى - الذى هو الأمير سابق الدين مقدم المماليك السلطانية - وعدة من السقاة وغيرهم، وكان يذكر أنه يجتمع بالقطب الغوث وغيره من الأبدال، فصار له اسم وسمعة عند الأتراك، واجتمع عليه الجم الغفير من مجاورى جامع الأزهر بواسطة جواره للجامع المذكور وصار يدرّس الفقه، وقرئ عليه صحيح البخارى فى الأشهر الحرم، وكان يختم البخارى به (٢) ويصنع يوم الختم أمورا كثيرة من الخلع والإحسان للطلبة خارجا عن المأكل والمشرب، وكذلك كان يفعل بمكة المحروسة: ومع هذا المال الذى كان يصل إليه من الأتراك وغيرهم، كان عليه الديون الجمة الوافرة من كثرة جوده وكرمه الذى كان يصل للشارد والوارد، وكان يرى نفسه كبيرا ويصفها بعلوم زائدة لا يعرفها قط، وكان له اعتقاد كثير عظيم جدا فى الصلحاء والفقراء ويعظمهم ويزورهم، فلهذا طار صيته واشتهر ذكره.

وكان جميل الشكل حسن الهيئة متجملا فى ملبسه ومركبه ومأكله، كثير البشاشة والقرى والتواضع، فصيح العبارة مفوها مشداقا (٣) محببا للناس، عفا الله عنه. توفى صبيحة يوم الخميس ثالث عشرى رمضان المعظم قدره، ودفن من يومه بالتنكزية خارج باب القرافة بسفارة برواح ابنة إسماعيل بن


(١) انظر الضوء اللامع ٦/ ٨٣٩.
(٢) أى بالجامع الأزهر.
(٣) لم يرد فى اللغة «مشداق، إن كان المقصود به البليغ المنطق المغوه، انظر تاج العروس ٦/ ٣٩١، Fraytag:op.cit.p .٣١٠. وقد تكتب بالذال انظر Dozy:I،p .٧٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>