تتناول هذه المخطوطة فترة يعتورها كثير من الفوضى ويغشى تاريخ مصر إبانها ضباب الأحداث بسبب قلة المصادر التى بين أيدينا عنها، ففى أعقاب هذه الفترة بالذات وفى أقل من نصف قرن من الزمان تخرج مصر من نطاق الدولة الحاكمة المستقلة ذات السيادة الخارجية والداخلية إلى نطاق الدولة المحكومة الخاضعة لآل عثمان، فتفقد استقلالها الداخلى ونشاطها السياسى فى الصعيد الدولى وإن لم يفقد أهلها روحهم وطبيعتهم ولم تتلاش الشخصية المصرية التى ظلت على طول المدى وتحت شتى الظروف وفى حالات النصر والنكسة على السواء هى هى دون أن يطرأ عليها تغيير أو اضمحلال، والتى ستتجلى فى أيام الحكم العثمانى ذاته زمن الحملة الفرنسية وفى عصر محمد على وما بعده فتبقى على وجه مصر العربى الإسلامى.
وربما كانت هذه النقلة الدامية من الاستقلال إلى الاحتلال ومن الحرية إلى التبعية كامنة بدرجة كبرى إذ ذاك - أعنى فى الوقت الذى تجرى إبانه أحداث هذه المخطوطة وما بعده - فى أحوال البلد الإدارية وظروفه الاقتصادية أكثر مما هى آتية من الخارج رغم بدء ظهور القوى الأوربية والاستعمارية ومحاولتها السيطرة على شواطئ أفريقية الشرقية واتجاهها إلى الهند والخليج العربى، ذلك أن التنظيمات الإدارية التى كانت قوية من قبل فى أكثر الأحيان اعتورها بعدئذ الوهن ودب فيها الانحلال، كما أن النظم الحربية