التى ألفناها طوال القرون المملوكية حتى عصر جقمق تقريبا: أعنى منتصف القرن التاسع الهجرى (أى الخامس عشر الميلادى) أقول لم تعد هذه النظم مرعية من جانب الحكام والسلاطين، وليس أدل على ذلك مما يسوقه ابن الصيرفى فى مخطوطته هذه - وهو شاهد عيان لتلك الأحداث كلها - من الإشارة أكثر من مرة إلى ما يمكن أن نطلق عليه «نطام الاستبدال» فى الجيش، فالجندى الذى يستطيع دفع قدر معين من المال للسلطان يعفى من أداء الخدمة الحربية لافى أيام السلم فحسب. بل وحين تكون البلاد فى حرب مع عدو خارجى يهدد هيبتها؛ ومن أمثلة هذا أن الحرب التى شنها شاه سوار كانت مثار تعب لمصر ولم يكن ثم جيش نظامى قادر تستطيع البلاد الاعتماد عليه، فعمد السلطان قايتباى إلى إحضار ثلاثة أقواس متفاوتة الصلابة وجلس ونودى إليه على المنزلين عنده بديوان المماليك وراح هو ذاته يختبرهم بإعطاء كل واحد منهم قوسا «فإن جذبه كتبه فى الحال إلى تجريدة شاه سوار وإن لم يجذبه أمره بحمل مائة دينار للخزائن الشريفة ليقوم بها عنه بديلا للتجريدة؛ هذا مع أن المفروض أن تكون هناك قوة دائمية أو ما يعبر عنها بالجيش النظامى لمواجهة مثل هذا الخطر أو الأخطار حتى وإن تعددت فى وقت واحد.
كما أنه لم تعد ثمت تدريبات مستمرة لهذه القوات الحربية، ولذلك فإنه حين يصبح لا مندوحة عن الحرب يعمد السلطان إلى اختبار الجند واختيار أقواهم ويرسلهم للحظته لمواجهة العدو، وهذا سر تحرك القوى الصغيرة على أطراف للملكة وكذلك نواب الحكم فى الولايات وعدم خشية أحدهم من رادع حربى، ولا شك أن هذا كله مهد الطريق وعبّده أمام القوة العثمانية التى كانت آخذة فى التوسع والامتداد.