وإذا خلينا القوة الحربية جانبا ألفينا الظلم الاجتماعى ممثلا بصورة بشعة لا يجدى إزاءها اعتذار ابن الصيرفى بعدم معرفة السلطان إياه وجهله به لا تجاهلا له ولا تهوينا من أمره، ثم هذه المحاولة العقيمة من جانب المؤلف فى الدفاع عن قايتباى وتبرئة ساحته وإلقائه اللوم على من حوله بحجة عدم إيقافهم إياه على ما ينزل بالشعب من الظلم والكوارث والمصادرات والسجن وغير ذلك من شرور الطغاة. يريد بذلك تبرئة ساحته أمام القارئ والتاريخ، كيلا يلومه أحدهما أو كلاهما فيما بعد.
وهذا دفاع أعرج مبتور عن تهاون مسئول هو راعى الرعية شرعا ووضعا:
إن كنت لا تدرى فتلك مصيبة … أو كنت تدرى فالمصيبة أعظم
على أن محاولة ابن الصيرفى الدفاع عن السلطان تشير فى حد ذاتها إلى أن هناك طغمة من كبار شخصيات الدولة لم يكن يعنيها إلا مصلحتها فأثرت بعد متربة، وغنيت بعد إملاق وتنفذت بعد أن لم تكن شيئا مذكورا، ولكنها مازالت تطلب الزيادة فى الثروة والجاه حتى عن غير الطريق الشرعى.
ولم يكن المسئولون خلال هذه الفترة المتأخرة من تاريخ مصر المملوكية بالذين يراعون وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، فنظر الدولة فى سنة ٨٧٣ هـ كان «بيد شخص عامى لحّام زفورى» ولم يكن هناك ما يؤهله لهذا المنصب الداخلى الخطير سوى قرابته من مقدم الدولة حينذاك، ولم يستطع ابن الصيرفى أن يجد مبررا لهذا التدهور الخطير فى إبكال المناصب لغير مستحقيها، بل إنه هو ذاته ينكر مثل هذا الأمر المعيب فيعلق عليه بقوله: