للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن كاتب حكم (١) - أحد الأمراء العشرات وأمير الركب الأول فى هذه السنة - واستقر فى حسبة القاهرة عوضا عن الأمير قانصوه الأحمدى المشهور بالخسيف بحكم انتقاله إلى وظيفة شاد الشراب خاناه.

وشغرت الحسبة مدة طويلة، وباشر يشبك المذكور الوظيفة المذكورة، لم يكشف البلد بنفسه ولا مرة واحدة، ولا يعرف أحوال الرعايا والمسلمين إلا من أعوانه الذين فى خدمته، فصاروا أرباب أموال وأقمشة ودورو خيول وبغال وحمير، وهو ماسك البقرة وغيره يحلبها فإنه لا يتعاطى شيئا، لكن ما أحسن ما قال الشاعر:

ورابط الكلب العقور ببابه … فأصل ما بالناس من رابط الكلب

على أن قانصوه الأحمدى [الأشرفى إينال] المشهور بالخسيف الإينالى الذى هو الآن شاد الشراب خاناه لما استقر فى الحسبة قبله كشف البلد بنفسه مرة، وهذا (٢) فى غاية الشماخة والترفع أن يقف على سوقى أو وزان أو بياع ويعتبر أوزانهم وسنجهم وحوانيتهم، وأمثال ذلك من الطبخ وغيره، بل تحضر أعوانه له بمن لا يعطونهم (٣) المعلوم المعهود عندهم فيضربه ثلاث علفات: واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وأخرى على أكتافه، ويشهرونه (٤) بلا طرطور (٥) بل يكشفون رأسه، وهو الذى أحدث كشف الرأس، مع أن جماعة كثيرين ممن فعل بهم ذلك عميوا وطرشوا، فإن الواحد يكون ضعيف البصر أو به نزلة فيكشفون رأسه ويدورون به القاهرة فلا يرجع إلا بضرأ وأمثال ذلك.

وأما أحكامه فبالبخت والنصيب؛ وأما أخلاقه ففى غاية الشراسة، حتى


(١) السخاوى: الضوء اللامع ١١/ ٢٦٨.
(٢) يقصد بذلك الأمير يشبك الجمالى ابن كاتب جكم.
(٣) فى الأصل «يعطوهم».
(٤) فى الأصل «فيشهروه».
(٥) الطرطور كما عرفه دوزى قلنسوة عالية كانت من زى يدو مصر فى القرن الخامس الهجرى، ثم ابتذلت ووضعت على رأس المجرمين أو العدو المغلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>